للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ، سَأَلَ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: "أَوْفِ بِنَذْرِك"، فَاعْتَكَفَ عُمَرُ لَيْلَةً، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ ثَابِتٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَلَا يَقْدَحُ فِي هَذَا أَنَّهُ عُورِضَ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ١ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهِ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا، فَقَالَ: أَوْفِ بنذرك، لأنه عَنْهُ جَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ نَذَرَ نَذْرَيْنِ فَيَكُونَ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهُمَا حَدِيثًا مُسْتَقِلًّا. الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ، إذْ لَا ذِكْرَ لِلصَّوْمِ فِيهِ، قَالَ: وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ٢ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ نَذَرَ فِي الشِّرْكِ أَنْ يَعْتَكِفَ، وَيَصُومَ، فَأَمَرَهُ عليه السلام بَعْدَ إسْلَامِهِ أَنْ يَفِيَ بِنَذْرِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ذِكْرُ الصَّوْمِ فِيهِ غَرِيبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، انْتَهَى. وَعَنْهُ أَيْضًا جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ بَشِيرٍ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَذَرَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ بِنَذْرِهِ، لَا بِكَوْنِهِ شَرْطًا في سحة الِاعْتِكَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالُوا فِيهِ: لَيْلَةً، وَكَذَلِكَ قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ٣ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: وَمَعْمَرٌ عن أيوب: يوم، بَدَلَ: لَيْلَةً، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَوْلَى، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَعْرَفُ بِأَيُّوبَ مِنْ غَيْرِهِ، قَالَ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْيَوْمَ مَعَ اللَّيْلَةِ، أَوْ الليلة مع اليوم، وحيئنذ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْقَوِيُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ أَنَّ الصِّيَامَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ، فَإِنَّ الِاعْتِكَافَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَعَ الصِّيَامِ، وَغَالِبُ اعْتِكَافِ النَّبِيِّ عليه السلام وَأَصْحَابِهِ إنَّمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ، لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي دُخُولِ يَوْمِ الْفِطْرِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْعَشْرِ الَّذِي اعْتَكَفَ ثَانِيَ يَوْمِ الْفِطْرِ، بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ، فَلَمَّا أَفْطَرَ اعْتَكَفَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"٤ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ السُّوسِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ


١ أما البخاري فلم أجد فيه، وأما مسلم فرواه في: ص ٥٠ ج ٢ عن أيوب، ومحمد بن إسحاق عن نافع، وشعبة عن عبيد الله عن نافع، والله أعلم.
٢ الدارقطني ص ٢٤٨، والبيهقي: ص ٣١٧ ج ٤.
٣ كذا قال البيهقي في "السنن" ص ٣١٧ ج ٤، كأنهما غافلان عما في البخاري في "الجهاد" ص ٤٤٥ من رواية حماد بن زيد عن أيوب يوماً.
٤ ص ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>