للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى ريحا أو غيما تغيّر وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه (١)، ويقول: قد عذب قوم بالرّيح. ورأى قوم السّحاب، فقالوا: {هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا} [الأحقاف: ٢٤].

وأسباب الرحمة يرجّي بها عباده، مثل الغيم الرطب والريح الطيبة، ومثل المطر المعتاد عند الحاجة إليه، ولهذا يقال عند نزوله: اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب (٢).

وأمّا من اتّقى أسباب الضّرر بعد انعقادها بالأسباب المنهيّ عنها، فإنه لا ينفعه ذلك غالبا، كمن ردّته الطّيرة عن حاجته خشية أن يصيبه ما تطيّر به، فإنّه كثيرا ما يصاب بما خشي منه، كما قاله ابن مسعود، ودلّ عليه حديث أنس المتقدم.

وكمن اتّقى الطّاعون الواقع في بلده بالفرار منه، فإنّه قلّ أن ينجيه ذلك.

وقد فرّ كثير من المتقدّمين والمتأخّرين من الطّاعون فأصابهم، ولم ينفعهم الفرار، وقد قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ} [البقرة: ٢٤٣]. وقد ذكر كثير من السّلف أنّهم كانوا قد فرّوا من الطّاعون فأصابهم. وفرّ بعض المتقدّمين من طاعون وقع، فبينا هو يسير باللّيل على حمار له إذ سمع قائلا يقول:

لن يسبق الله على حمار … ولا على ذي ميعة مطار

أو يأتي الحتف على مقدار … قد يصبح الله أمام السّاري

فأصابه الطّاعون، فمات.

وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا هامة» فهو نفي لما كانت الجاهلية تعتقده أنّ الميت إذا


(١) أخرجه: البخاري (٤/ ١٣٢ - ١٣٣) (٤٨٢٩)، ومسلم (٨٩٩).
(٢) روي مرسلا عن المطلب بن حنطب، «السنن الكبرى» للبيهقي (٣/ ٣٥٦) (٦٢٣٦)، و «مسند الشافعي» (ص: ٨٠).

<<  <   >  >>