للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقادير وقوله صلّى الله عليه وسلّم في هذا الحديث: «إني عند الله في أمّ الكتاب لخاتم النبيين، وإنّ آدم لمنجدل في طينته»، ليس المراد به - والله أعلم - أنّه حينئذ كتب في «أمّ الكتاب» ختمه للنبيين، وإنّما المراد الإخبار عن كون ذلك مكتوبا في «أم الكتاب» في تلك الحال قبل نفخ الرّوح في آدم، وهو أوّل ما خلق من النّوع الإنسانيّ.

وجاء في حديث آخر، أنه في تلك الحال وجبت له النبوّة، وهذه مرتبة ثالثة، وهي انتقاله من مرتبة العلم والكتابة إلى مرتبة الوجود العينيّ الخارجيّ، فإنّه صلّى الله عليه وسلّم استخرج حينئذ من ظهر آدم ونبّئ، فصارت نبوّته موجودة في الخارج بعد كونها كانت مكتوبة مقدّرة في أمّ الكتاب. ففي حديث ميسرة الفجر، قال:

قلت: يا رسول الله، متى كنت نبيّا؟ قال: «وآدم بين الرّوح والجسد» (١).

خرّجه الإمام أحمد، والحاكم.

قال الإمام أحمد في رواية مهنّا: وبعضهم يرويه: «متى كتبت نبيّا؟»، من الكتابة. فإن صحّت هذه الرّواية، حملت مع حديث العرباض بن سارية على وجوب نبوّته وثبوتها وظهورها في الخارج فإنّ الكتابة إنّما تستعمل فيما هو واجب؛ إمّا شرعا كقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ} [البقرة: ١٨٣]، أو قدرا كقوله: {كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: ٢١]. وفي حديث أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّهم قالوا: يا رسول الله، متى وجبت لك النبوّة؟


(١) أخرجه: أحمد (٥/ ٥٩)، والطبراني (٢٠/ ٨٣٤)، وابن أبي عاصم (٤١٠)، والحاكم (٦٠٨/ ٢ - ٦٠٩)، وابن سعد (٧/ ٦٠)، والبيهقي في «الدلائل» (١/ ٨٤ - ٨٥)، (٢/ ١٢٩). وقد اختلف في إرساله ووصله، والمرسل أشبه بالصواب، كما بينته في التعليق على «المنتخب من العلل» للخلال (رقم ٩٥).

<<  <   >  >>