للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحمّى تصيب من وضع يده عليه من فوقها، فقيل له في ذلك، فقال: «إنّا كذلك يشدّد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر» (١). وقال: «إنّي أوعك كما يوعك رجلان منكم» (٢).

ومن شدّة وجعه كان يغمى عليه في مرضه، ثم يفيق، وحصل له ذلك غير مرّة، فأغمي عليه مرّة وظنّوا أنّ وجعه ذات الجنب، فلدّوه، فلمّا أفاق أنكر ذلك، وأمر أن يلدّ من لدّه، وقال: «إنّ الله لم يكن ليسلّطها عليّ» يعني ذات الجنب، «ولكنّه من الأكلة الّتي أكلتها يوم خيبر»، يعني أنّه نقض عليه سمّ الشّاة التي أهدتها له اليهوديّة، فأكل منها يومئذ، فكان ذلك يثور عليه أحيانا، فقال في مرض موته: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني، فهذا أوان انقطاع أبهري» (٣) فكان ابن مسعود وغيره. يقولون: إنّه مات شهيدا من السّمّ.

وقالت عائشة: ما رأيت أحدا كان أشدّ عليه الوجع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان عنده في مرضه سبعة دنانير؛ فكان يأمرهم بالصّدقة بها، ثم يغمى عليه، فيشتغلون بوجعه، فدعا بها فوضعها في كفّه، وقال: «ما ظنّ محمّد بربّه لو لقي الله وعنده هذه؟» (٤)، ثمّ تصدّق بها كلّها، فكيف يكون حال من لقي الله وعنده دماء المسلمين وأموالهم المحرّمة؟! وما ظنّه بربّه ولم يكن عندهم في مرضه دهن للمصباح يوقد فيه.

فلمّا اشتدّ وجعه ليلة الاثنين أرسلت عائشة بالمصباح إلى امرأة من النّساء،


(١) أخرجه: ابن ماجه (٤٠٢٤)، والحاكم (١/ ٤١)، (٤/ ٣٠٧)، ويشهد له ما بعده.
(٢) أخرجه: البخاري (٧/ ١٤٩ - ١٥٠) (٥٦٤٨) (٥٦٦٠)، ومسلم (٨/ ١٤) (٢٥٧١).
(٣) أخرجه: البخاري (٦/ ١١) معلقا بصيغة الجزم.
(٤) أخرجه: ابن حبان (٧١٥)، والطبراني (٦/ ١٩٨) رقم (٥٩٩٠)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٣/ ١٢٤): «رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح».

<<  <   >  >>