للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يقبض صلّى الله عليه وسلّم حتّى خيّر مرّة أخرى بين الدّنيا والآخرة؛ قالت عائشة: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّه لم يقبض نبيّ حتّى يرى مقعده من الجنّة، ثمّ يخيّر» (١).

فلمّا نزل به ورأسه على فخذي، غشي عليه ساعة، ثمّ أفاق، فأشخص بصره إلى سقف البيت، ثم قال: «اللهمّ، الرفيق الأعلى» (٢). فقلت: الآن لا يختارنا، وعلمت أنّه الحديث الذي كان يحدّثناه، وهو صحيح. فكانت تلك آخر كلمة تكلّم بها.

وفي رواية أنّه قال: «اللهمّ اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرّفيق الأعلى» (٣).

وفي رواية أنّه أصابه بحّة شديدة، فسمعته يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً} [النّساء: ٦٩]. قالت:

فظننت أنّه خيّر (٤). وهذه الرّوايات مخرّجة في «صحيح البخاري» وغيره.

وقد روي ما يدلّ على أنّه قبض، ثم رأى مقعده من الجنّة، ثمّ ردّت إليه نفسه، ثمّ خيّر. ففي «المسند» عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من نبيّ إلاّ تقبض نفسه، ثمّ يرى الثواب، ثمّ تردّ إليه، فيخيّر بين أن تردّ إليه أو أن يلحق». فكنت قد حفظت ذلك منه، فإنّي لمسندته إلى صدري، فنظرت إليه حتى مالت عنقه، فقلت: قد قضى. قالت: فعرفت الّذي قال: فنظرت إليه حتّى ارتفع ونظر، فقلت: إذا والله لا يختارنا، فقال: «مع الرفيق الأعلى في الجنّة {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ} إلى آخر الآية [النساء: ٦٩]» (٥).


(١) أخرجه: البخاري (٦/ ١٢) (٤٤٦٣) (٦٣٤٨)، ومسلم (٧/ ١٣٧) (٢٤٤٤).
(٢) أخرجه: البخاري (٦/ ١٢)، ومسلم (٧/ ١٣٧ - ١٣٨).
(٣) أخرجه: البخاري (٦/ ١٣) (٤٤٤٠)، ومسلم (٧/ ١٣٧) (٢٤٤٤)، والترمذي (٣٤٩٦).
(٤) أخرجه: البخاري (٤٤٣٥)، ومسلم (٧/ ١٣٧).
(٥) أخرجه: أحمد (٦/ ٧٤)، وذكره في «مجمع الزوائد» (٩/ ٣٦)، وقال: «رواه أحمد، والطبراني في «الأوسط».

<<  <   >  >>