للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنفسكم رحمكم الله في هذا الليل وسواده؛ فإنّ المغبون من غبن خير اللّيل والنّهار، والمحروم من حرم خيرهما. إنّما جعلا سبيلا للمؤمنين إلى طاعة ربّهم، ووبالا على الآخرين للغفلة عن أنفسهم؛ فأحيوا لله أنفسكم بذكره، فإنما تحيا القلوب بذكر الله عزّ وجلّ.

كم من قائم لله في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته، وكم من نائم في هذا الليل قد ندم على طول نومه، عند ما يرى من كرامة الله عزّ وجلّ للعابدين غدا. فاغتنموا ممرّ السّاعات والليالي والأيام، رحمكم الله.

وعن دواد الطائي أنه قال: إنّما اللّيل والنّهار مراحل، ينزلها النّاس مرحلة مرحلة، حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كلّ مرحلة زادا لما بين يديها فافعل؛ فإنّ انقطاع السّفر عن قريب ما هو، والأمر أجلّ (١) من ذلك فتزوّد لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنّك بالأمر قد بغتك.

قال ابن أبي الدّنيا: وأنشدنا محمود بن الحسين:

مضى أمسك الماضي شهيدا معدّلا … وأعقبه يوم عليك جديد

فيومك إن أغنيته عاد نفعه … عليك وماضي الأمس ليس يعود

فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة … فثنّ بإحسان وأنت حميد

فلا ترج فعل الخير يوما إلى غد … لعلّ غدا يأتي وأنت فقيد

وفي «تفسير عبد بن حميد» وغيره من التفاسير المسندة عن الحسن في قول الله عزّ وجلّ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً} [الفرقان: ٦٢]، قال: من عجز بالليل كان له من أوّل النّهار


(١) في أ، ب: «أعجل».

<<  <   >  >>