للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صالح، عن أزهر بن سعد، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ناس يصومون رجبا، فقال: «فأين هم عن شعبان» (١).

وفي قوله: «يغفل النّاس عنه بين رجب ورمضان» إشارة إلى أنّ بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه؛ إمّا مطلقا أو لخصوصيّة فيه لا يتفطّن لها أكثر النّاس. فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوّتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم.

وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة النّاس بالطّاعة، وأنّ ذلك محبوب لله عزّ وجلّ، كما كان طائفة من السّلف يستحبّون إحياء ما بين العشاءين بالصّلاة، ويقولون: هي ساعة غفلة، وكذلك فضل القيام في وسط اللّيل؛ لشمول الغفلة لأكثر النّاس فيه عن الذّكر، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إن استطعت أن تكون ممّن يذكر الله في تلك السّاعة فكن».

ولهذا المعنى كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يريد أن يؤخّر العشاء إلى نصف اللّيل، وإنّما علّل ترك ذلك لخشية المشقّة على النّاس. ولمّا خرج صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه وهم ينتظرونه لصلاة العشاء قال لهم: «ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم» (٢). وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرّد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر له.

ولهذا ورد في فضل الذكر في الأسواق ما ورد من الحديث المرفوع والآثار الموقوفة، حتّى قال أبو صالح: إنّ الله ليضحك ممّن يذكره في السّوق، وسبب ذلك أنّه ذكر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة.


(١) تقدم.
(٢) أخرجه: البخاري (٢/ ١٤٩) (٥٦٦) (٥٦٩)، ومسلم (٢/ ١١٦) (٦٣٨).

<<  <   >  >>