وفي حديث أبي ذرّ المرفوع:«ثلاثة يحبّهم الله؛ قوم ساروا ليلتهم، حتّى إذا كان النّوم أحبّ إليهم ممّا يعدل به فوضعوا رءوسهم، فقام أحدهم يتملّقني ويتلو آياتي، وقوم كانوا في سريّة فانهزموا، فتقدّم أحدهم فلقي العدوّ فصبر حتّى قتل»، وذكر «أيضا قوما جاءهم سائل فسألهم فلم يعطوه، فانفرد أحدهم حتّى أعطاه سرّا»(١) فهؤلاء الثّلاثة انفردوا عن رفقتهم بمعاملة الله سرّا بينهم وبينه، فأحبّهم الله. فكذلك من يذكر الله في غفلة النّاس، أو من يصوم في أيّام غفلة النّاس عن الصّيام.
وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطّاعة فوائد:
منها: أنّه يكون أخفى، وإخفاء النّوافل وإسرارها أفضل، لا سيّما الصيام؛ فإنّه سرّ بين العبد وربّه، ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء. وقد صام بعض السّلف أربعين سنة لا يعلم به أحد، كان يخرج من بيته إلى سوقه ومعه رغيفان، فيتصدّق بهما ويصوم، فيظنّ أهله أنّه أكلهما، ويظنّ أهل سوقه أنّه أكل في بيته. وكانوا يستحبّون لمن صام أن يظهر ما يخفي به صيامه. فعن ابن مسعود أنّه قال:«إذا أصبحتم صياما فأصبحوا مدّهنين». وقال قتادة: يستحبّ للصائم أن يدّهن حتّى تذهب عنه غبرة الصّيام.
وقال أبو التيّاح: أدركت أبي ومشيخة الحيّ، إذا صام أحدهم ادّهن ولبس صالح ثيابه.
ويروى أنّ عيسى بن مريم عليه السّلام قال: إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن لحيته، وليمسح شفتيه من دهنه حتّى ينظر النّاظر إليه فيرى أنّه ليس بصائم.
(١) أخرجه: الترمذي (٢٥٦٨)، والنسائي (٥/ ٨٤). وانظر «ضعيف المشكاة» (١٩٢٢) و «ضعيف الجامع الصغير» (٢٦٠٩).