للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء» (١). وفي رواية: «قيل: ومن الغرباء؟ قال:

الذين يصلحون إذا فسد النّاس» (٢).

وفي «صحيح مسلم» من حديث معقل بن يسار، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال:

«العبادة في الهرج كالهجرة إليّ» (٣). وخرّجه الإمام أحمد، ولفظه: «العبادة في الفتنة كالهجرة إليّ» (٣).

وسبب ذلك أنّ الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيها بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسّك بدينه ويعبد ربّه ويتّبع مراضيه، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مؤمنا به، متّبعا لأوامره، مجتنبا لنواهيه.

ومنها: أنّ المنفرد بالطّاعة بين أهل المعاصي والغفلة قد يدفع به البلاء عن النّاس كلّهم، فكأنّه يحميهم ويدافع عنهم. وفي حديث ابن عمر الذي رويناه في «جزء ابن عرفة» مرفوعا: «ذاكر الله في الغافلين كالذي يقاتل عن الفارّين، وذاكر الله في الغافلين كالشّجرة الخضراء في وسط الشّجر الذي تحاتّ ورقة من الصّريد - والصّريد: البرد الشّديد - وذاكر الله في الغافلين يغفر له بعدد كلّ رطب ويابس، وذاكر الله في الغافلين يعرف مقعده في الجنّة» (٤).

قال بعض السّلف: ذاكر الله في الغافلين كمثل الذي يحمي الفئة المنهزمة، ولولا من يذكر الله في غفلة النّاس لهلك النّاس.


(١) أخرجه: مسلم (١/ ٩٠) (١٤٥).
(٢) رواه الطبراني في «الأوسط» (٣/ ٢٥٠) (٣٠٥٦)، وفي «الكبير» (٨/ ١٥٢) (٧٦٥٩). راجع كتاب: «كشف الكربة» (ص) للمصنّف.
(٣) أخرجه: مسلم (٨/ ٢٠٨) (٢٩٤٨)، وأحمد (٥/ ٢٧).
(٤) أخرجه: أبو نعيم في «الحلية» (٦/ ١٨١) وعزاه في «الكنز» (١٨٥٧) إلى أبي نعيم في «الحلية» والبيهقي في «الشعب»، وابن صهدي في أماليه، وابن شاهين في «الترغيب»، وإسناده ضعيف. وانظر: «السلسلة الضعيفة» (٦٧١).

<<  <   >  >>