للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذراعين، فيؤلم ضربه فيردع، فأمّا من هو سقيم البدن لا قوة له، فماذا ينفع تأديبه بالضّرب.

كان الحسن إذا خرج إلى النّاس فكأنّه رجل عاين الآخرة، ثم جاء يخبر عنها وكانوا إذا خرجوا من عنده خرجوا وهم لا يعدّون الدّنيا شيئا، وكان سفيان الثوري يتعزّى بمجالسه عن الدّنيا. وكان أحمد لا تذكر الدّنيا في مجالسه، ولا تذكر عنده. قال بعضهم: لا تنفع الموعظة إلاّ إذا خرجت من القلب، فإنّها تصل إلى القلب، فأمّا إذا خرجت من اللسان، فإنّها تدخل من الأذن، ثم تخرج من الأخرى. قال بعض السّلف: إنّ العالم إذا لم يرد بموعظته وجه الله زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ القطر عن الصّفا.

كان يحيى بن معاذ ينشد في مجالسه:

مواعظ الواعظ لن تقبلا … حتّى تعيها نفسه أوّلا

يا قوم من أظلم من واعظ … خالف ما قد قاله في الملا

أظهر بين النّاس إحسانه … وبارز الرّحمان لمّا خلا

العالم الذي لا يعمل بعلمه مثله كمثل المصباح، يضيء للنّاس ويحرق نفسه. قال أبو العتاهية:

وبّخت غيرك بالعمى فأفدته … بصرا وأنت محسّن لعماكا

وفتيلة المصباح تحرق نفسها … وتضيء للأعشى وأنت كذاكا

المواعظ درياق الذّنوب، فلا ينبغي أن يسقي الدّرياق إلا طبيب حاذق معافى. فأمّا لديغ الهوى فهو إلى شرب الدرياق أحوج من أن يسقيه لغيره.

في بعض الكتب السالفة: إذا أردت أن تعظ النّاس فعظ نفسك، فإن اتّعظت، وإلاّ فاستحي مني.

<<  <   >  >>