قال سعيد بن جبير: لمّا رأى إبليس النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قائما بمكّة يصلّي رنّ. ولمّا افتتح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكّة رنّ رنّة أخرى؛ اجتمعت إليه ذريته، فقال: ايئسوا أن تردّوا أمّة محمد إلى الشرك بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم في دينهم، وأفشوا فيهم النوح والشّعر. خرّجه ابن أبي الدنيا.
وخرّج الطبرانيّ بإسناده، عن مجاهد، عن أبي هريرة، قال:«إنّ إبليس رنّ لمّا أنزلت فاتحة الكتاب، وأنزلت بالمدينة»(١). والمعروف هذا عن مجاهد من قوله، قال: «رنّ إبليس أربع رنّات: حين لعن، وحين أهبط من الجنّة، وحين بعث محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وحين أنزلت فاتحة الكتاب؛ وأنزلت بالمدينة. خرّجه وكيع وغيره.
وقال بعض التابعين: لمّا أنزلت هذه الآية {وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} الآية [آل عمران: ١٣٥]، بكى إبليس. يشير إلى شدّة حزنه بنزولها؛ لما فيها من الفرح لأهل الذنوب، فهو لا يزال في همّ وغمّ وحزن منذ بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ لما رأى منه ومن أمّته ما يهمّه ويغيظه.
قال ثابت: لمّا بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال إبليس لشياطينه: لقد حدث أمر فانظروا ما هو. فانطلقوا، ثم جاءوه، فقالوا: ما ندري. قال إبليس: أنا آتيكم بالخبر.
فذهب وجاء، قال: قد بعث محمد - صلّى الله عليه وسلّم - فجعل يرسل شياطينه إلى أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيجيئون بصحفهم ليس فيها شيء. فقال: ما لكم لا تصيبون منهم شيئا؟ قالوا: ما صحبنا قوما قطّ مثل هؤلاء؛ نصيب منهم ثم يقومون إلى الصلاة، فيمحى ذلك. قال: رويدا، إنّهم عسى أن يفتح الله لهم الدنيا، هنالك تصيبون حاجتكم منهم.