للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق، ومن ذا الذي ليس فيه شيء؟!

من ذا الّذي ما ساء قط … ومن له الحسنى فقط

خطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله يوما، فقال في موعظته: إنّي لأقول هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذّنوب أكثر ممّا أعلم عندي، فأستغفر الله وأتوب إليه، وكتب إلى بعض نوّابه على بعض الأمصار كتابا يعظه فيه، فقال في آخره: وإني لأعظك بهذا، وإنّي لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لكثير من أمري، ولو أنّ المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم نفسه إذا لتواكل الناس الخير، وإذا لرفع الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وإذا لاستحلّت المحارم، وقلّ الواعظون والسّاعون لله بالنّصيحة في الأرض؛ فإنّ الشيطان وأعوانه يودّون أن لا يأمر أحد بمعروف ولا ينهى عن منكر، وإذا أمرهم أحد أو نهاهم، عابوه بما فيه وبما ليس فيه، كما قيل:

وأعلنت الفواحش في البوادي … وصار النّاس أعوان المريب

إذا ما عبتهم عابوا مقالي … لما في القوم من تلك العيوب

وودّوا لو كففنا فاستوينا … فصار النّاس كالشيء المشوب

وكنّا نستطبّ إذا مرضنا … فصار هلاكنا بيد الطّبيب

كان بعض العلماء المشهورين له مجلس للوعظ، فجلس يوما فنظر إلى من حوله وهم خلق كثير، وما منهم إلاّ من قد رقّ قلبه أو دمعت عينه، فقال لنفسه فيما بينه وبينها: كيف بك إن نجا هؤلاء وهلكت أنت؟ ثم قال في نفسه:

اللهمّ، إن قضيت عليّ غدا بالعذاب فلا تعلم هؤلاء بعذابي، صيانة لكرمك لا لأجلي؛ لئلاّ يقال: عذّب من كان في الدّنيا، يدلّ عليه.

<<  <   >  >>