والتي تليها ليلتنا، يعني البصريين. وقال حمّاد بن سلمة: كان ثابت البناني، وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيّبان، ويطيّبون المسجد بالنّضوح والدّخنة في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر. وقال ثابت: كان لتميم الداريّ حلّة اشتراها بألف درهم، كان يلبسها في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر.
فتبيّن بهذا أنّه يستحبّ في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظّف والتزيّن، والتطيب بالغسل والطّيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجمع والأعياد، وكذلك يشرع أخذ الزّينة بالثياب في سائر الصّلوات، كما قال تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: ٣١]. وقال ابن عمر:
«الله أحقّ أن يتزيّن له». وروي عنه مرفوعا.
ولا يكمل التزيّن الظاهر إلا بتزين الباطن؛ بالتّوبة والإنابة إلى الله تعالى، وتطهيره من أدناس الذنوب وأوضارها؛ فإنّ زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئا. قال الله تعالى:{يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ}[الأعراف: ٢٦].
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التّقى … تقلّب عريانا وإن كان كاسيا
لا يصلح لمناجاة الملوك في الخلوات إلاّ من زيّن ظاهره وباطنه، وطهّرهما خصوصا لملك الملوك الذي يعلم السّرّ وأخفى، وهو لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، فمن وقف بين يديه فليزيّن له ظاهره باللباس، وباطنه بلباس التّقوى. أنشد الشّبليّ: