للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: الاعتكاف: ففي «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها، «أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتّى توفّاه الله» (١). وفي «صحيح البخاري» عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعتكف في كلّ رمضان عشرة أيام. فلمّا كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين» (٢).

وإنما كان يعتكف النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذه العشر التي يطلب فيها ليلة القدر، قطعا لأشغاله، وتفريغا لباله، وتخلّيا لمناجاة ربّه وذكره ودعائه. وكان يحتجر حصيرا يتخلى فيها عن الناس، فلا يخالطهم، ولا يشتغل بهم؛

ولهذا ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحبّ له مخالطة النّاس، حتّى ولا لتعليم علم، وإقراء قرآن، بل الأفضل له الانفراد بنفسه والتخلّي بمناجاة ربّه وذكره ودعائه. وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشّرعية، وإنما يكون في المساجد؛ لئلاّ يترك به الجمع والجماعات؛ فإنّ الخلوة القاطعة عن الجمع والجماعات منهيّ عنها.

سئل ابن عبّاس عن رجل يصوم النّهار ويقوم الليل، ولا يشهد الجمعة والجماعة؟ قال: هو في النار.

فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الاعتكاف في المساجد، خصوصا في شهر رمضان، خصوصا في العشر الأواخر منه، كما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يفعله.

فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كلّ شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربّه وما يقرّبه منه، فما بقي له همّ سوى الله، وما يرضيه عنه. كما كان داود الطّائيّ يقول في ليله: همّك عطّل عليّ


(١) أخرجه: البخاري (٣/ ٦٢) (٢٠٢٦)، ومسلم (٣/ ١٧٥) (١١٧٢)، وأحمد (٦/ ٩٢، ٦/ ٢٧٩، ٢٣٢)، وأبو داود (٢٤٦٢).
(٢) أخرجه: البخاري (٣/ ٦٧)، وأبو داود (٢٤٦٦)، وابن ماجه (١٧٦٩).

<<  <   >  >>