للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى قول من جوّز التطوّع قبل القضاء فلا يحصل مقصود صيام ستة أيّام من شوّال إلاّ لمن أكمل صيام رمضان، ثم أتبعه بستّ من شوّال.

فمن كان عليه قضاء من رمضان، ثم بدأ بصيام ستّ من شوّال تطوّعا، لم يحصل له ثواب من صام رمضان، ثم أتبعه بستّ من شوال، حيث لم يكمل عدة رمضان، كما لا يحصل لمن أفطر رمضان لعذر بصيام ستّة أيام من شوال أجر صيام السّنة بغير إشكال.

ومن بدأ بالقضاء في شوّال، ثم أراد أن يتبع ذلك بصيام ست من شوّال بعد تكملة قضاء رمضان كان حسنا؛ لأنّه يصير حينئذ قد صام رمضان وأتبعه بستّ من شوال. ولا يحصل له فضل صيام ستّ من شوّال بصوم قضاء رمضان؛ لأنّ صيام الست من شوّال إنما يكون بعد إكمال عدّة رمضان.

عمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله. قال الحسن: إنّ الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت، ثم قرأ {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩].

هذه الشهور والأعوام والليالي والأيام كلّها مقادير للآجال، ومواقيت للأعمال ثم تنقضي سريعا، وتمضي جميعا. والذي أوجدها وابتدعها وخصّها بالفضائل وأودعها باق لا يزول، ودائم لا يحول؛ هو في جميع الأوقات إله واحد، ولأعمال عباده رقيب مشاهد. فسبحان من قلّب عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخدم؛ ليسبغ عليهم فيها فواضل النّعم، ويعاملهم بنهاية الجود والكرم.

لمّا انقضت الأشهر الثلاثة الكرام التي أولها الشهر الحرام، وآخرها شهر الصّيام، أقبلت بعدها الأشهر الثلاثة، أشهر الحج إلى البيت الحرام، فكما أنّ من صام رمضان وقامه غفر له ما تقدّم من ذنبه؛ فمن حجّ البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من

<<  <   >  >>