للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويمكن الجمع بينه وبين حديث ابن عبّاس بوجهين:

أحدهما: أنّ حديث ابن عبّاس قد صرّح فيه بأنّ جهاد من لا يرجع من نفسه وماله بشيء يفضل على العمل في العشر، فيمكن أن يقال: الحجّ أفضل من الجهاد، إلاّ جهاد من لم يرجع من نفسه وماله بشيء، ويكون هو المراد من حديث أبي هريرة، ويجتمع حينئذ الحديثان.

والثاني - وهو الأظهر -: أنّ العمل المفضول قد يقترن به ما يصير أفضل من الفاضل في نفسه، كما تقدّم. وحينئذ فقد يقترن بالحجّ ما يصير به أفضل من الجهاد، وقد يتجرّد عن ذلك، فيكون الجهاد حينئذ أفضل منه، فإن كان الحجّ مفروضا فهو أفضل من التطوّع بالجهاد؛ فإنّ فروض الأعيان أفضل من فروض الكفايات عند جمهور العلماء. وقد روي هذا في الحجّ والجهاد بخصوصهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وروي مرفوعا من وجوه متعدّدة، في أسانيدها لين. وقد دلّ على ذلك ما حكاه النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ربّه عزّ وجلّ، أنّه قال: «ما تقرّب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه» (١).

وإن كان الحاج ليس من أهل الجهاد فحجّه أفضل من جهاده، كالمرأة.

وفي «صحيح البخاري» عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: «يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: أفضل الجهاد حجّ مبرور (٢). وفي رواية له: «جهادكنّ الحجّ». وفي رواية له أيضا: «نعم الجهاد الحجّ».

وكذلك إذا استغرق العشر كلّه عمل الحجّ وأتي به على أكمل وجوه البرّ من أداء الواجبات واجتناب المحرّمات، وانضمّ إلى ذلك الإحسان إلى الناس ببذل


(١) أخرجه: البخاري (٨/ ١٣١) (٦٥٠٢)، وهو جزء من حديث أبي هريرة وطرفه: «من عاد لي وليّا فقد آذنته بالحرب … ».
(٢) أخرجه: البخاري (٢/ ١٦٤) (١٥٢٠)، والنسائي (٥/ ١١٤ - ١١٥).

<<  <   >  >>