وهذا من أعظم المعجزات، وهو إخباره بظهور أمته على كنوز فارس والروم وأموالهم وديارهم. ووقع على ما أخبر به؛ ولكنّه لما سمّى ذلك «بركات الأرض» وأخبر أنه «أخوف ما يخافه عليهم» أشكل ذلك على بعض من سمعه حيث سمّاه بركة، ثم خاف منه أشدّ الخوف؛ فإنّ البركة إنّما هي خير ورحمة.
وقد سمّى الله تعالى المال خيرا في مواضع كثيرة من القرآن، فقال تعالى:
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات: ٨]، وقال:{إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[البقرة: ١٨٠]، وقال تعالى عن سليمان عليه السّلام:{إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي}[ص: ٣٢].
فلمّا سأله السائل: هل يأتي الخير بالشر؟ صمت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى ظنّوا أنّه أوحي إليه، والظاهر أنّ الأمر كان كذلك، ويدلّ عليه أنّه ورد في رواية لمسلم في هذا الحديث:«فأفاق يمسح عنه الرّحضاء»(١) وهو العرق، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أوحي إليه يتحدّر منه مثل الجمان من العرق من شدّة الوحي وثقله عليه؛ وفي هذا دليل علي أنه صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سئل عن شيء لم يكن أوحي إليه فيه شيء انتظر الوحي فيه.
ولم يتكلّم فيه بشيء حتى يوحى إليه فيه، فلمّا نزل عليه جواب ما سئل عنه، قال: أين السائل؟ قال: ها أنا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ الخير لا يأتي إلاّ بالخير». وفي رواية لمسلم، فقال:«أو خير هو؟»(١) وفي ذلك دليل على أنّ المال ليس بخير على الإطلاق، بل منه خير ومنه شرّ.
ثم ضرب مثل المال ومثل من يأخذه بحقّه ويصرفه في حقه، ومن يأخذه
(١) أخرجه: مسلم (٣/ ١٠١ - ١٠٢) (١٤٦٥). ونحوه في البخاري (١٠٥٢).