يصلّي حتى أصبح، وقال: دخلت بالأمس بيتا أذكرني النّار، ودخلت الليلة بيتا ذكرت به الجنّة، فلم يزل فكري فيهما حتى أصبحت. كان بعض السّلف إذا أصابه كرب الحمّام يقول: يا برّ يا رحيم، منّ علينا وقنا عذاب السّموم.
صبّ بعض الصالحين على رأسه ماء من الحمّام فوجده شديد الحرّ، فبكى، وقال: ذكرت قوله تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ}[الحجّ: ١٩].
كل ما في الدنيا يدلّ على صانعه، ويذكّر به، ويدلّ على صفاته؛ فما فيها من نعيم وراحة يدلّ على كرم خالقه وفضله وإحسانه وجوده ولطفه، وما فيها من نقمة وشدّة وعذاب يدلّ على شدّة بأسه وبطشه وقهره وانتقامه. واختلاف أحوال الدّنيا من حرّ وبرد وليل ونهار وغير ذلك يدلّ على انقضائها وزوالها.
قال الحسن: كانوا - يعني الصحابة - يقولون: الحمد لله الرفيق الذي لو جعل هذا الخلق خلقا دائما لا ينصرف، لقال الشاك في الله: لو كان لهذا الخلق ربّ لحادثه، وإن الله قد حادث بما ترون من الآيات، إنّه جاء بضوء طبّق ما بين الخافقين، وجعل فيها معاشا وسراجا وهّاجا، ثم إذا شاء ذهب بذلك الخلق وجاء بظلمة طبّقت ما بين الخافقين، وجعل فيها سكنا ونجوما وقمرا منيرا، وإذا شاء بنى بناء جعل فيه المطر والبرق والرّعد والصّواعق ما شاء، وإذا شاء صرف ذلك الخلق، وإذا شاء جاء ببرد يقرقف النّاس، وإذا شاء ذهب بذلك وجاء بحرّ يأخذ بأنفاس النّاس؛ ليعلم الناس أنّ لهذا الخلق ربّا هو يحادثه بما ترون من الآيات، كذلك إذا شاء ذهب بالدنيا وجاء بالآخرة.
وقال خليفة العبدي: لو أنّ الله لم يعبد إلاّ عن رؤية ما عبده أحد، ولكنّ المؤمنين تفكّروا في مجيء هذا الليل إذا جاء فطبّق كلّ شيء، وملأ كلّ شيء، ومحا سلطان النهار؛ وتفكّروا في مجيء النّهار إذا جاء، فملأ كلّ شيء، وطبّق كلّ شيء؛ ومحا سلطان الليل.