للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصاح الفتى: أيا لله! وا غفلتاه عن نفسي أيام الحياة! وا أسفاه على تفريطي في طاعتك يا سيداه! وا أسفاه على تضييع عمري في دار الدنيا! ثم استقبل القبلة، وعاهد الله على توبة نصوح، ودعا الله أن يتقبّل منه وبكى حتى غشي عليه، فحمل من المجلس صريعا، فمكث صالح وأصحابه يعودونه أياما، ثم مات، فحضره خلق كثير، فكان صالح يذكره في مجلسه كثيرا، ويقول: وبأبي قتيل القرآن! وبأبي قتيل المواعظ والأحزان! فرآه رجل في منامه، فقال:

ما صنعت؟ قال: عمّتني بركة مجلس صالح فدخلت في سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء.

من آلمته سياط المواعظ فصاح فلا جناح، ومن زاد ألمه فمات فدمه مباح.

قضى الله في القتلى قصاص دمائهم … ولكن دماء العاشقين جبار

وبقي ها هنا قسم آخر، وهو أشرف الأقسام وأرفعها، وهو من يفني عمره في الطاعة، ثمّ ينبّه على قرب الأجل، ليجدّ في التزوّد ويتهيّأ للرحيل بعمل يصلح للقاء، ويكون خاتمة للعمل. قال ابن عباس: «لما نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} [النّصر: ١]. نعيت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفسه، فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة» (١).

قالت أم سلمة: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلاّ قال: سبحان الله وبحمده. فذكرت ذلك له، فقال: إنّي أمرت بذلك، وتلا هذه السورة» (٢).


(١) أخرجه: النسائي في «الكبرى» (١١٦٤٨)، والطبراني في «الكبير» (١١٩٠٣)، و «الأوسط» (١٩٩٦).
(٢) أخرجه: الطبري في «تفسيره» (٣٠/ ٣٣٥). وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٨/ ٥٣٣)، وقال: «غريب».

<<  <   >  >>