وكان من عادته أن يعتكف في كل عام في رمضان عشرا، ويعرض القرآن على جبريل مرة، فاعتكف في ذلك العام عشرين يوما، وعرض القرآن مرّتين، وكان يقول:«ما أرى ذلك إلاّ لاقتراب أجلي». ثم حجّ حجة الوداع. وقال للناس:«خذوا عنّي مناسككم، فلعلّى لا ألقاكم بعد عامي هذا»(١). وطفق يودّع الناس، فقالوا: هذه حجّة الوداع. ثم رجع إلى المدينة فخطب قبل وصوله إليها، وقال:«أيّها الناس! إنّما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسول ربيّ فأجيب». ثم أمر بالتمسّك بكتاب الله، ثم توفي بعد وصوله إلى المدينة بيسير صلّى الله عليه وسلّم. إذا كان سيّد المحسنين يؤمر أن يختم عمره بالزّيادة في الإحسان، فكيف يكون حال المسيء.
خذ في جدّ فقد تولّى العمر … كم ذا التفريط قد تدانى الأمر
أقبل فعسى يقبل منك العذر … كم تبني كم تنقض كم ذا الغدر
مرض بعض العابدين فوصف له دواء يشربه، فأتي في منامه فقيل له:
أتشرب الدواء والحور العين لك تهيّأ؟ فانتبه فزعا، فصلّى في ثلاثة أيام حتى انحنى صلبه، ثم مات في اليوم الثالث. كان رجل قد اعتزل وتعبّد، فرأى في منامه قائلا يقول له: يا فلان، ربّك يدعوك فتجهّز واخرج إلى الحجّ، ولست عائدا؛ فخرج إلى الحج فمات في الطريق. رأى بعض الصالحين في منامه قائلا ينشده:
تأهّب للذي لا بدّ منه … من الموت الموكّل بالعباد
أترضى أن تكون رفيق قوم … لهم زاد وأنت بغير زاد
(١) أخرجه: مسلم (٤/ ٧٩) (١٢٩٧)، وأحمد (٣/ ٣١٨)، والنسائي (٥/ ٢٧٠)، وأبو داود (١٩٧٠)، وابن خزيمة (٢٨٧٧).