للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مما وراء النهر رجالا «١» ، وكانت الأتراك جيوشهم، لفضلهم على سائر الأجناس فى البأس والجرأة والشجاعة والإقدام؛ ودهاقين ما وراء النهر قوّادهم وحاشيتهم وخواصّ خدمهم- للطفهم فى الخدمة وحسن الطاعة والهيئة فى الملبس والزى السلطانىّ- فصاروا حاشية الخلافة وثقاتهم ورؤساء عساكرهم «٢» ، مثل الفراغنة والأتراك الذين هم شحنة دار الخلافة، والأتراك الذين كانوا لبأسهم ونجدتهم غلبوا على الخلافة مثل الأفشين وآل أبى الساج- من أشروسنة، والإخشيد من سمرقند، والمرزبان بن تركسفى وعجيف بن عنبسة من السغد، والبخارا خذاه وغيرهم من أمراء الحضرة وقوادها وجيوشها؛ والملوك على هذا الإقليم وعلى سائر خراسان آل سامان، وهم من أولاد بهرام جوبين الذي سار «٣» ذكره فى العجم بالبأس والنجدة، فلمثل هذه الأسباب ليس فى الإسلام ملك أمنع جانبا ولا أوفر عدة ولا أكمل أسبابا للملك منهم، لأنه ليس فى الإسلام جيش إلا وهم شذّاذ القبائل والبلدان والأطراف، إذا تفرقوا فى هزيمة وتمزّقوا فى حادثة لم يلتق منهم جمع بعد «٤» غير جيش هؤلاء الملوك، فإن جيوشهم الأتراك المملوكون، ومن الأحرار من يعرف داره ومكانه، إذا قتل منهم قوم أو ماتوا ففى وفور عددهم ما يعاض «٥» من بين ظهرانيهم مثلهم، وإن تفرقوا فى حادثة تراجعوا كلّهم إلى مكان واحد، فلا يقدح فيهم ما يقدح فى سائر عساكر الأطراف «٦» ، ولا سبيل لهم إلى التفرّق فى العساكر والتنقّل فى الممالك، كما يكون عليه رسوم صعاليك العساكر وشحنة البلدان؛ ولقد خرج بارس غلام لإسماعيل بن أحمد رحمه الله فى فتنة عبد الله ابن المعتز، هاربا من أحمد بن إسماعيل رحمه الله، فخرج فى عدّة هالت الخلافة، وظهر أثرها بقدومه من العدد والآلة والكراع والسلاح، ولم يكن بحضرة «٧» الخلافة جيش مثله، وإنما كان عبدا للسّمانيّة لم يتبين «٨» على أهل خراسان فقده، وليس فى بلدان الإسلام ملوك قد أعرقوا فى الملك يتوارثونه بينهم «٩» من أيام العجم مثلهم، وقد بيّنا أيام آل سامان فى صفة فارس لأنهم من الفرس، فبيّنا مكانهم من فارس وسبب وقوعهم إلى خراسان، وجوامع من سيرتهم «١٠» وأيامهم مما يغنى عن إعادته.

وأما نزاهة ما وراء النهر فإنى لم أر- ولا بلغنى فى الإسلام- بلدا أحسن خارجا من بخارى، لأنك إذا علوت قلعتها «١١» لم يقع بصرك من جميع النواحى إلا على خضرة، تتصل خضرتها بلون السماء، فكأنّ السماء بها مكتبة خضراء مكبوبة على بساط أخضر، تلوح القصور فيما بينها كالنوائر فيها، وأراضى ضياعهم مقوّمة بالاستواء