للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كأنها المرآة، وليس بما وراء النهر وخراسان بلد أحسن قياما بالعمارة على ضياعهم من أهل بخارى، ولا أكثر عددا على قدرها فى المساحة «١» منهم، وذلك مخصوص بهذه البلدة، لأن الموصوف من متنزّهات الأرض سغد سمرقند ونهر الأبلة وغوطة دمشق، على أن سابور وجور من فارس لا تقصران عن غوطة دمشق ونهر الأبلة، ولكن الذّكر لهذه الأماكن، فأما غوطة دمشق فإنك إذا كنت بدمشق ترى بعينك على فرسخ وأقل جبالا قرعاء عن النبات والشجر، وأمكنة خالية عن العمارة والخضرة، وأكمل النزهة ما ملأ البصر وسدّ الأفق، وأما نهر الأبلة فليس بها ولا بنواحيها «٢» مكان يستوقف النظر إلا نحو فرسخ منها، وليس بها مكان عال فيدرك البصر أكثر من فرسخ، ولا يستوى المكان المستتر الذي لا يرى منه إلا مقدار ما يرى من مكان ليس بمستتر بالنزهة «٣» ، ومكان يستعطف البصر منه سعة فى العيان وسفرا فى المنظر؛ وأما سغد سمرقند فلا أعرف بها ولا بسمرقند «٤» مكانا إذا علا الناظر فيه على شرف «٥» ، إلا وقع بصره على جبال خالية من الشجر أو صحراء غبراء- وإن كان مزروعا «٦» ، على «٧» أن غبرة المزارع فى أضعاف خضرة النبات من الزينة، غير أن الأرض الغبراء المنتشرة عن تقويمها فى العمارة فى العيان تسلب بهجة الخضرة وتذهب بزينة الغبرة؛ ويحيط ببخارى وقراها ومزارعها سور قطره عشرة «٨» فراسخ فى مثلها كلها عامرة. وأما سغد سمرقند فإنها أنزه الأماكن الثلاثة التى ذكرنا «٩» ، لأنها من حدّ بخارى على وادى السّغد يمينا وشمالا تتصل إلى حدّ البتّم لا تنقطع، ومقدارها فى المسافة ثمانية أيام، مشتبكة الخضرة والبساتين، فهى ميادين وبساتين ورياض مشتبكة، قد حفّت بالأنهار الدائم جريها، والحياض فى صدور رياضها وميادينها، مخضرة «١٠» الأشجار والزروع، ممتدة على جانبى «١١» واديها، ومن وراء الخضرة من جانبيها مزارع تحرسها، ومن وراء هذا المزارع مراعى سوائمها، والقلعة من كل مدينة وقرية بها تبصّ فى أضعاف خضرتها، كأنها ثوب ديباج أخضر، قد سيّرت بمجارى مياهها، وزيّنت بتبصيص قصورها، وهى أزكى بلاد الله وأحسنها أشجارا وثمارا، وفى عامة مساكنهم البساتين والحياض «١٢» والمياه الجارية، قلّ ما تخلو سكة أو دار من نهر جار. وبفرغانة والشاش «١٢» وأشروسنة وسائر ما وراء النهر من الأشجار الملتفّة والثمار الكثيرة والرياض المتصلة ما لا يوجد مثله فى سائر الأمصار، وبفرغانة- فى الجبال الممتدة بينها وبين بلاد الترك- من الأعناب والجوز والتفاح وسائر الفواكه مع الورد والبنفسج وأنواع من الرياحين، كل ذلك مباح