للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فليس من سكة ولا دار إلا وفيها ماء جار إلا القليل، وقلّ دار تخلو من بستان، حتى إنّك إذا صعدت أعلى قهندزها لم تبد المدينة للنظر «١» ، لاستتارها بالبساتين والأشجار، وأكثر الأسواق والتجارات فى الربض إلا شيئا يسيرا فى المدينة، وهى فرضة ما وراء النهر ومجمع التجار، ومعظم جهاز ما وراء النهر يقع بسمرقند، ثم يتفرّق إلى سائر الكور، وكانت دار إمارة ما وراء النهر بها إلى أيام إسماعيل بن أحمد فنقلها إلى بخارى، ولسور ربضها «٢» أبواب: منها باب غداود وباب إسبسك وباب سوخشين وباب افشينه وباب ورسنين وباب كوهك وباب ريودد باب فرخشيذ، ويزعم الناس أن تبّعا بنى مدينتها، وأن ذا القرنين أتمّ بعض بنائها، ورأيت على باب كشّ صفيحة من حديد قد كتب عليها كتابة زعم أهلها أنها بالحميريّة، وأنهم يتوارثون علم ذلك بأنه بناء تبّع، وكتب عليه أن من صنعاء إلى سمرقند ألف فرسخ، وأن كتابته من أيام تبّع، فوقعت فتنة بسمرقند فى أيام مقامى بها، وأحرق الباب وذهبت الكتابة، وأعاد ذلك الباب أبو المظفّر محمد بن لقمان بن نصر بن أحمد بن أسد كما كان من حديد من غير تلك الكتابة، وتربة سمرقند من أصح تربة وأيبسها، ولولا كثرة البخارات من المياه الجارية فى سككهم ودورهم وكثرة أشجار الخلّاف بينهم لأضرّ بهم فرط يبسها، وبناؤها طين وخشب، وأهلها يرجعون إلى جمال بارع ورزانة، وهم من الإفراط فى إظهار المروّة وتكلّف القيام على أنفسهم ما يزيدون على سائر بلاد خراسان، حتى يجحف ذلك بأموالهم. وبسمرقند مجمع رقيق ما وراء النهر، وخير الرقيق بما وراء النهر تربية سمرقند، وبينها وبين أقرب الجبال «٣» نحو مرحلة خفيفة، إلا أنه يتصل بها جبل صغير يعرف بكوهك، يمتد طرفه إلى سور سمرقند، وهو مقدار نصف ميل فى الطول، ومنه أحجار بلدهم، والطين المستعمل فى الأوانى والنورة والزجاج وغير ذلك، وبلغنى أن به «٤» ذهبا وفضة غير أنه لا يتسوّغ العمل فيه. والبلد كله طرقه ومحالّه وسككه إلا قليلا مفترش بالحجارة، ومياههم من وادى السغد، وهذا الوادى مبدؤه من جبال البتّم على ظهر الصغانيان، وله مجمع ماء يعرف بجن «٥» مثل بحيرة حواليها قرى، وتعرف الناحية ببرغر «٦» ، فينصب منها بين جبال حتى ينتهى إلى بنجيكث «٧» ، ثم ينتهى إلى مكان يعرف بورغسر «٨» وتفسيره راس السكر، ومنه تتشعب أنهار سمرقند، ورساتيق تتصل بها من غربىّ الوادى من جانب سمرقند. فأما أنهار الجانب الشرقىّ على الوادى فإنها