للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كتاب ابن خرداذبه وكتاب الجيهانى وتذكرة أبى الفرج قدامة بن جعفر] «١» . ظلت هذه الكتب تستحوذ عليه حتى لقى الإصطخرى فى بغداد، فأخذ كتابه واستغنى به عن غيره من الكتب.

يرى الدارس لهذه الفترة من تاريخ علم البلدان أنّ هذا العلم قد تطور على يدى رجلين يعدّان من النوابغ هما أبو زيد البلخى والجيهانى، حتى ليمكن أن يقال إن مخالفتهما أمر كان ينبغى أن يبرّر، خالفهما المقدسى فى كتابه أحسن التقاسيم، خالف الجيهانى- الذي كان يسمى ما بين دجلة والفرات بابل- فى هذه التسمية وسمّى الإقليم العراق، وبيّن ذلك فى قوله: [.. ألا ترى الجيهانى ابتدأ بذكر هذه النواحى وسماها إقليم بابل ...

وقد شققنا الإسلام طولا وعرضا فما سمعنا الناس يقولون إلا هذا إقليم العراق وأكثر الناس لا يعلمون أين بابل] «٢» ، وخالف أبا زيد البلخى فى تقسيم المشرق وبيّن هذا فى قوله: [وقد جعله أبو زيد ثلاثة أقاليم خراسان وسجستان وما وراء النهر وأما نحن فجعلناه واحدا ذا جانبين يفصل بينهما جيحون] «٢» ، يتضح مما سقناه حقيقة هى ما لهذين الرائدين أبى زيد البلخى والجيهانى من مكانة سامية عند رواد علم البلدان، هذه المكانة الممتازة هى التى جعلت النساخ يضعون على كتاب الاصطخرى فى هذا العصر المبكر، الاصطلاح الذي جاء به أبو زيد البلخى وهو صور الأقاليم إلى جانب عنوان الكتاب الأصلى، الأمر الذي أشكل على دائرة المعارف الإسلامية فنسبت كتاب الاصطخرى لأبى زيد البلخى أو جعلته معوّلا عليه، وهذه شبهة ليس لها سند أو دليل، وقد أطلقها كاتب مادة الاصطخرى دون أن يؤيد دعواه بأية حجة تسوّغ قوله، ولئن كانت هذه الدعوى غير مؤيدة بالبرهان، ومن ثم فهى تستحق الإهمال، لكن لا يفوتنا أن نشير إلى أن صحة نسبة الكتاب إلى الاصطخرى يقوم عليها الدليل من الكتاب نفسه ومن المعاصرين، ففى حديث الاصطخرى عن فارس يشير إلى رسالة ألّفها، قال: [وقد ذكرت فى الرسالة ما يعلم من قرأها موضع كل كورة برساتيقها ومواضع المدن بها إن شاء الله تعالى] ، ويشهد ابن حوقل أنه لقى الاصطخرى أبا اسحاق الفارسى فى بغداد وأخذ منه كتابه لتصحيحه كما زعم، قال:

[ولقيت أبا اسحاق الفارسى وقد صوّر هذه الصورة لأرض الهند فحلطها وصوّر فارس فجوّدها وقد كنت صورت أذربيجان التى فى هذه الصفحة فاستحسنها والجزيرة فاستجادها وأخرج التى لمصر فاسدة وللمغرب أكثرها خطأ وقال قد نظرت فى مولدك وأثرك وأنا أسألك إصلاح كتابى هذا حيث ضللت فأصلحت منه غير مشكل وعزوته إليه] «٣» ، والواضح من قول ابن حوقل وضوحا لا يقبل الشك ولا الجدل أنّ للاصطخرى كتابا وأنه أصلحه كما زعم، وأن هذا الكتاب منسوب للأصطخرى، زد على ذلك أن ياقوت الحموى فى معجم البلدان ينقل