عن الاصطخرى ويسند النقل لصاحبه؛ فليس بعد هذه الأدلة شبهة فى نسبة الكتاب لصاحبه. أما قول ابن حوقل انه أصلحه فمع أنه لا يطعن فى نسبة الكتاب إلا أنه يشير إلى توهين ما فيه من بيانات، والحق أن ابن حوقل ينقل عن الاصطخرى بالنص واللفظ، وهو يلجأ إلى هذه الدعوى لتبرير هذا النقل، وأبسط عرض لكتاب ابن حوقل على كتاب الاصطخرى يدل دلالة واضحة على هذه الحقيقة، أما تعويل الاصطخرى على أبى زيد البلخى فليس هذا بعيب فى الكتاب، لأن هذا العلم كان فى بدئه ويعتمد الخلف دائما على السلف كما اعتمد ابن حوقل على الاصطخرى. أما إضافة النساخ (صور الأقاليم) إلى عنوان الكتاب فهى مسألة تجارية يبتغون من وراء شهرة أبى زيد رواج منسوخاتهم لكتاب الاصطخرى، هذا فضلا عن أن هذا اصطلاح عام لا يميز كتابا عن كتاب مثله مثل اصطلاح (المسالك والممالك) لا يدل وضعه على كتاب أنه مأخوذ منه.
والآن من هو الاصطخرى؟ هو أبو القاسم إبراهيم بن محمد الفارسى، المشهور بالفارسى فى أيامه، وبالاصطخرى فيما بعد نسبة إلى بلده، وهو رجل- فيما يبدو- لم يكن ذا نباهة فى عصره، لذلك أغفلت ذكره الكتب التى تؤرخ الرجال، ومن هنا لا ندرى سنة ولادته، وإن كانت من المؤكد فى النصف الثانى من القرن الثالث، ولا ندرى سنة وفاته وإن كنا نعلم أنها فى القرن الرابع، ذلك لأن ابن حوقل التقى به فى بغداد فى أواخر حياته أى فى سنة ٣٢٥ هـ، كما يتبين ذلك من قوله أنه كان فى بغداد سنة ٣٢٥ هـ (ص ٢٤٥- ليدن) ؛ ودراسة كتاب الاصطخرى والأشخاص الذين يشير إليهم يدلان على أن سنة وفاته كانت حوالى منتصف القرن الرابع، ذلك لأنه يشير إلى أبى المظفر محمد بن لقمان بن نصر بن أحمد بن أسد السامانى، الذي كان- فيما يبدو- حاكم سمرقند أيام نوح بن نصر السامانى أو أيام ابنه عبد الملك (توفى سنة ٣٥٠ هـ) على أحوط احتمال.
والاصطخرى مؤلف ذو منهج يميزه عن غيره، أما مذهبه فى التأليف فيتبين من قوله على سبيل المثال فى إقليم الجبال:(فأما الرىّ فإنا ضممناها إلى الدليم وإن كانت قائمة بنفسها، لأن اتصالها بها اتصال واحد وليس بينهما حاجز يستحق به الانفراد عنها فمرة من الجبال ومرة من عمل خراسان) ، ومن قوله أيضا فى ما وراء النهر:
(وقد كان فى التقدير أن نصور نصف خوارزم فى صورة خراسان ونصفها فى صورة ما وراء النهر غير أن الغرض فى هذا الكتاب معرفة هذه الأقاليم ومدنها، فاخترت أن تكون خوارزم مجموعة فى الصورة وجعلتها فى صورة ما وراء النهر فأبلغ بذلك غرضى من غير تكرار فى الصورتين) فأنت ترى أنه مؤلف له خطة مرسومة يسير على نهجها، يخضع لها ولا يقبل التقسيم الإدارى الذي دعت إليه ظروف غير جغرافية، تراه يجعل المنطقة وحدة ولا يجزئها إلا إذا جزّأتها الطبيعة، وهو مؤلف دقيق بالنسبة إلى عصره، وتتبين ذلك واضحا من قوله على سبيل المثال: (وأما النيل فإن ابتداء مائه لا يعلم وذلك أنه يخرج من مفازة من وراء أرض الزنج لا تسلك حتى ينتهى