إلى قعرها. وأما بلاد مهرة فإن قصبتها تسمى الشّحر، وهى بلاد قفرة ألسنتهم مستعجمة جدا، لا يكاد يوقف عليها، وليس ببلادهم نخيل ولا زرع، وإنما أموالهم الأبل، وبها نجب من الأبل تفضل فى السير على سائر النجب، واللّبان الذي يحمل إلى الآفاق من هناك؛ وديارهم مفترشة، وبلادهم بواد نائية، ويقال إنها من عمان.
وعمان مستقلة بأهلها، وهى كثيرة النخيل والفواكه الجرميّة «١» من الموز والرمّان والنبق ونحو ذلك، وقصبتها صحار وهى على البحر، وبها متاجر البحر وقصد المراكب، وهى أعمر مدينة بعمان وأكثرها مالا، ولا تكاد تعرف على شاطىء بحر فارس بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر عمارة ومالا من صحار، وبها مدن كثيرة، وبلغنى أنّ حدود أعمالها نحو من ثلاثمائة فرسخ، وكان الغالب عليها الشراة، إلى أن وقع بينهم وبين طائفة من بنى سامة ابن لؤى- وهم من كبراء تلك النواحى- حروب، فحرج منهم رجل يعرف بمحمد بن القاسم السامى إلى المعتضد فاستنجده، فبعث معه بابن ثور ففتح عمان للمعتضد، وأقام بها الخطبة له، وانحاز الشراة إلى ناحية لهم تعرف بنزوة، وإلى يومنا هذا بها إمامهم وبقية ما لهم وجماعتهم؛ وعمان بلاد حارة جدا، وبلغنى أن بمكان منها بعيد عن البحر ربما وقع ثلج دقيق، ولم أر أحدا شاهد ذلك إلا بالإبلاغ، وبأرض سبأ من اليمن طوائف من حمير وكذلك بأرض حضرموت. وأما ديار همدان وأشعر وكندة وخولان فإنّها مفترشة فى أعراض اليمن، وفى أضعافها مخاليف وزروع، وبها بواد وقرى تشتمل على بعض تهامة وبعض نجد اليمن من شرقى تهامة، وهى قليلة الجبال مستوية البقاع؛ ونجد اليمن غير نجد الحجاز، غير أن جنوبى نجد الحجاز يتصل بشمالىّ نجد اليمن، وبين البحرين وبين عمان بريّة ممتنعة؛ وباليمن قرود كثيرة، بلغنى أنها تكثر حتى لا تطاق إلا بجمع عظيم، وإذا اجتمعت كان لها كبير تتبعه مثل اليعسوب للنحل، وبها دابة تسمى العدار، بلغنى أنها تطلب الإنسان فتقع عليه، فإن أصابت منه ذلك تدوّد جوف الإنسان فانشق، ويحكى عن الغيلان بها من الأعجوبة مالا أستجيز حكايته.
وأما المسافات بديار العرب فإنّ الذي يحيط بها: من عبّادان إلى البحرين نحو من ١٥ مرحلة، ومن البحرين إلى عمان نحو من شهر، ومن عمان إلى أرض مهرة نحو من شهر، وإلى حضرموت من مهرة نحو من شهر، ومن أقصى حضرموت إلى عدن نحو من شهر، ومن عدن إلى جدة نحو من شهر. ومن جدة إلى ساحل الجحفة نحو من ٥ مراحل، ومن ساحل الجحفة إلى الجار نحو من ٣ مراحل، ومن الجار إلى أيلة نحو من ٢٠ مرحلة، ومن أيلة إلى بالس نحو من ٢٠ مرحلة، ومن بالس إلى الكوفة نحو من ٢٠ مرحلة، ومن الكوفة إلى البصرة نحو من ١٢ مرحلة، ومن البصرة إلى عبادان نحو من مرحلتين، فهذا هو الدور الذي يحيط بها.