ركبته أنا من عسكر مكرم إلى الأهواز، والمسافة ثمانية «١» فراسخ، فسرنا فى الماء ستة فراسخ، ثم خرجنا وسرنا فى وسط النهر، وكان الباقى من هذا النهر إلى الأهواز طريقا يابسا، ولا يضيع من هذا الماء شىء، وإنما تسقى به أراضى قصب السكر وما فى أضعافه من النخيل والزروع، وما بخوزستان كلها على كمال عمارتها بقعة هى أعمر وأزكى «٢» من المسرقان. ومياه خوزستان من الأهواز والدورق وتستر وغير ذلك مما يصاقب هذه المواضع كلها تجتمع عند حصن مهدى، فتصير هناك نهرا كبيرا، ويغزر ويصير له عرض ثم ينتهى إلى البحر، وليس بها بحر إلا ما تنتهى إليه زاوية من مهروبان إلى قرب سليمانان بحذاء عبادان فانه شىء يسير، وهو من بحر فارس، وليس بجميع خوزستان جبال ولا رمال إلا شىء يسير، يتاخم نواحى تستر وجنديسابور وبناحية إيذج وأصبهان، والباقى من خوزستان كأنه أرض العراق؛ وأما هواؤها وماؤها وتربتها وصحة أهلها فإن مياهها طيّبة عذبة جارية، ولا أعرف بجميع خوزستان بلدا- ماؤهم من البئر، لكثرة المياه الجارية بها، وأما ترابها فإن ما بعد عن دجلة إلى ناحية الشمال أيبس وأصح، وما كان إلى دجلة أقرب فهو من جنس أرض البصرة فى التسبّخ، وكذلك فى «٣» الصحة ونقاء البشرة فى الناس فيما بعد عن دجلة، وأما المسرقان خاصة فإن بها رطبا يسمى الطنّ، يقال إن ذلك الرطب إذا أكله الإنسان وشرب عليه ماء المسرقان لم تخطئ «٤» منه الخمر، وليس بخوزستان موضع يجمد فيه الماء، ولا يقع فيه الثلج، ولا يخلو من النخيل، والعلل بها كثيرة وخاصة لمن انتابها. وأمّا ثمارهم وزرعهم فإن الغالب على بلاد خوزستان من الأشجار النخل، ولهم عامة الحبوب من الحنطة والشعير والباقلاء، وأكثر حبوبها بعد الحنطة والشعير الأرز، فيخبزونه وهو لهم قوت، وكذلك فى رستاق العراق، وليس من بلد ليس به قصب سكر من هذه الكور الكبار، ولكن أكثر ما بها من السكر بالمسرقان، ويقع جميعه إلى عسكر مكرم، وليس بعسكر مكرم فى القصبة كثير سكر، وكذلك بتستر والسوس فإنه يتخذ منه السكر، والقصب فى سائر المواضع إنما هو للأكل دون أن يتخذ منه السكر، وعندهم عامة الثمار لا يكاد يخطئهم إلا الجوز، وما لا يكون إلا ببلاد الصرود «٥» . وأما لسانهم فإن عامتهم يتكلمون بالفارسية والعربية، غير أن لهم لسانا آخر خوزيا، ليس بعبرانى ولا سريانى ولا فارسى؛ وزيهم زى أهل العراق فى الملابس من القمص والطيالسة والعمائم، وفى أضعافهم من يلبس الأزر والميازر، والغالب على أخلاقهم سوء الخلق، والمنافسة فيما بينهم فى اليسير من الأمور وشدة الامساك، والغالب على خلقهم صفرة اللون والنحافة وخفة اللحى والضخامة، ووفور الشعر فيهم أقل مما فى غيرهم من المدن، وهذه صفة عامة الجروم «٦» .