أما صورهم فإن أهل الجروم الغالب على خلقتهم نحافة الخلق «٢» ، وخفة الشعر وسمرة اللون، وأهل الصرود أعبل «٣» أجساما وأكثر شعورا وأشد بياضا؛ ولهم ثلاثة ألسنة: الفارسية التى يتكلمون بها، وجميع أهل فارس يتكلمون بلغة واحدة يفهم بعضهم عن بعض، إلا ألفاظا تختلف لا تستعجم على عامّتهم، ولسانهم الذي به كتب العجم «٤» وأيامهم ومكاتبات المجوس فيما بينهم هو الفهلوية، التى تحتاج إلى تفسير حتى يعرفها الفرس، ولسان العربية به «٥» مكاتبات السلطان والدواوين وعامة الناس وأمراؤهم «٦» ؛ وأمّا زيّهم فإن زىّ السلطان بها الأقبية، وربما لبسوا الدراريع «٧» التى هى أوسع فرجة، وأعرض جربّانا «٨» وجيوبا من دراريع الكتّاب، والعمائم التى تحتها قلانس مرتفعة، ويلبسون السيوف بحمائل، وفى أوساطهم المناطق، وخفافهم تصغر عن خفاف أهل خراسان.
وأما قضاتهم فإنهم يلبسون الدّنيّات، وما أشبهها من القلانس المشمّرة عن الأذنين مع الطيالسة والقمص والجباب، ولا يلبسون درّاعة ولا خفا بكسر ولا قلنسوة تغطى الأذنين. وأما زى الكتّاب فإنهم يلبسون الدراريع والعمائم، فإن لبسوا تحت العمائم قلانس جعلوها خفيّة، توقى الوسخ ولا تظهر، ويلبسون الخف المكسّر ألطف من خف السلطان، ولا يلبسون قباء ولا طيالسة. وأما التنّاء «٩» والتجار والملوك فلباسهم شىء واحد، من الطيالسة والعمائم والخفاف التى لا كسر فيها والقمص والجباب والمبطّنات، وإنما يتفاضلون فى الجودة فى الملابس، فأما الزىّ فواحد، وزيّهم زىّ أهل العراق.
وأما أخلاق ملوكهم والتنّاء منهم والمخالطين للسلطان من عمال الدواوين وغيرهم «١٠» فالغالب عليهم استعمال المروّة فى أحوالهم، والنزاهة عما يقبح به الحديث من الأخلاق الدنيّة، والمبالغة فى تحسين دورهم ولباسهم وأطعمتهم، والمنافسة فيما بينهم فى ذلك. والآداب الظاهرة فيهم؛ وأما تجارهم فالغالب عليهم محبة جمع المال والحرص «١١» ؛ فأما أهل سيراف والسواحل فإنهم يسيرون فى البحر حتى ربما غاب أحدهم عامة عمره فى البحر، ولقد بلغنى أن رجلا من سيراف ألف البحر، حتى ذكر أنه لم يخرج من السفينة نحوا من أربعين سنة، وكان إذا قارب البر أخرج صاحبه لقضاء حوائجه، فى كل مدينة يتحوّل من سفينة إلى أخرى إذا انكسرت أو تشعثت فاحتيج إلى اصلاحها، وقد أعطوا من ذلك حظا جزيلا، حتى إن أحدهم يبلغ ملكه أربعة آلاف ألف دينار، وفى عصرنا