للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومدينة الاسكندرية أعظم مدن مصر؛ وبلاد مصر كلها فيها من العجائب والغرائب ما يعجز عنه الواصفون. ذكر أن أحمد بن طولون كان صاحب مصرفى سنة نيف ومائتين وكان مولعا بمعرفة هذه الآثار القديمة والعجائب «١» ، فذكر له أن رجلا من الأقباط بأرض الصعيد، وهى من أعالى بلاد مصر، له «ا» نحو ١٣٠ سنة، وهو ممن عنى من لدن حداثته بالعلم والإشراف على الآراء وانتحل من مذاهب المتفلسفين وغيرهم، وأنه علامة بالممالك والملوك ومعرفة بهيئة الأفلاك والنجوم؛ وكان نصرانيا على مذهب اليعاقبة. فبعث ابن طولون إليه قائدا من قواده فحمله إليه فى النيل مكرما؛ وكان الشيخ قد انفرد عن الناس فى بنيان قد اتخذه وسكن فى أعلاه، وكان قد رأى الرابع عشر من ولده. فلما وصل إلى أحمد بن طولون أكرمه وأبره وأسكنه بعض مقاصيره ومهد له موضع جلوسه وحمل إليه لذيذ المأكل والمشرب، فأبى الشيخ أن يتغذى أو يلبس إلا ما حمل مع نفسه من كعك وسويق ونحوها، وقال هذه بنية قوامها بما ترون من الغذاء والملبس فإن أنتم سمتمونى النقل على العادة كان ذلك سبب انحلال البنية ويفوتكم منى ما تطلبونه، فتركه ابن طولون وما يريده. ثم أحضره مجلسه مع أهل الدراية من أصحابه وخواص مجلسه وصرف إليه همته وغرضه؛ فلما سأله عن بحيرة تنيس ودمياط المتقدم ذكرهما، قال كان موضع البحيرة أرضا لم يكن بديار مصر مثلها لطيب التربة وذكاء الربيع؛ وكانت جنات متصلة ولم يكن بمصر كورة يقال إنها تشبه الفيوم إلا هى وحدها، وكانت أكثر فاكهة منه؛ وكان الماء ينحدر إلى قرى موضع البحيرة صيفا وشتاء يسقون منه متى شاءوا، وفضلة الماء تصب فى البحيرة. وكان بين العريش وقبرص طريق مسلوكة فى يبس، وبينهما اليوم مسير طويل فى البحر، فلما كان قبل استفتاح المسلمين بلاد مصر ب ١٠٠ سنة طما ماء البحر وزاد فأغرق القرى التى كانت فى موضع البحيرة، وما كان منها فى البقاع المرتفعة فهى باقية إلى الآن قد أحاط بها الماء. وقال وعند هذه الزيادة التى زادها ماء البحر، طغى الماء على القنطرة التى كانت بين بلاد الأندلس وبين