مسيرة شهرين فى رمال وجبال غير عامرة قليلة الماء، يسكنها قوم من مسوفة رحالون لا يستقر بهم مكان، ليس لهم مدن ولا عمارة يأوون إليها إلا وادى درعة وبينه وبين سجلماسة ٥ أيام. ومدينة سجلماسة محدثة بنيت سنة ١٤٠ [- ٧٥٧- ٧٥٨] ، أسسها مدرار بن عبد الله وكان رجلا من أهل الحديث، يقال إنه لقى بإفريقية عكرمة مولى بن عباس وسمع منه؛ وكان صاحب ماشية وكان كثيرا ما ينتجع سجلماسة وكان الموضع سوقا يجتمع فيه بربر تلك النواحى.
فاجتمع إلى مدار قوم من الصّفرية فلما بلغوا ٤٠ رجلا قدموا على أنفسهم مدرارا وشرعوا فى بناء سجلماسة فبنوها ثم سورها «ا» أبو المنصور بن أبى القاسم ابن مدرار، ولم يشركه فى الإنفاق فى بنائه أحد. أنفق فيه مدى ألف مدّ طعاما.
وذكر آخرون أن رجلا حدادا اسمه مدرار وكان من ربضية قرطبة خرج من الأندلس عند وقعة الربض فنزل منزلا بقرب سجلماسة، وموضع سجلماسة إذا ذاك سوق البربر بتلك النواحى، فأنشأ بها مدرار خيمة وسكنها فبنى الناس حوله، فكان ذلك أصل عمارتها، وكان رجلا أسود وأولاده قد هجوا بذلك.
ولمدينة سجلماسة ١٢ بابا، ولها بساتين وهى كثيرة النخل والأعناب وجميع الفواكه، وزبيب عنبها المعرش الذي لا تناله الشمس لا يزبّب إلا فى الظل ويسمى الطلى، وما أصابته منه زبّب فى الشمس. وهى على نهرين من عنصر واحد فى موضع يسمى أكلف «ب» ، وتمده عيون كثيرة، ولهم مزارع كثيرة يسقونها من النهر فى حياض كحياض البساتين؛ وتزرع أرض سجلماسة عاما ويحصد من تلك الزريعة ٣ أعوام لأنه بلد مفرط «ج» الحر شديد القيظ.
فإذا يبس الزرع تناثر عند الحصاد وأرضهم مشققة فيقع ما يتناثر من الحب فى تلك الشقاق، فإذا كان العام الثانى أخرجوا النهر على عادتهم لأن ماء المطر قليل فيها وحرثوا بلا بذر؛ وكذلك العام الثالث. وقمحهم رقيق الحب يسع مدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - من قمحهم ٧٥ ألف حبة، وهم يأكلون الزرع إذا خرج شطئه وهو عندهم مستظرف وذلك لغلبة الجدب عندهم. ومن العجيب بمدينة سجلماسة أنها ليس بها ذئاب «د» ولا كلاب لأنهم يسمّنونها ويأكلونها كما يصنع أهل