بذلك الموضع أياما كثيرة لا يأكل ولا يشرب؛ ثم إنه غاب عنهم فلم يقفوا على موته ولا على شىء من أمره. وكان عهد إلى أخيه ماليا فلما غاب عنهم أقاموا ماليا أخاه مقامه، فكان همه فى الأكل والشراب والرياسة، غير ناظر فى شىء من الحكمة، وانما استقام له الأمر بهيبة أخيه كلكن، وتقديرهم أنه لم يمت وأنه سيرجع إليهم. وكان لماليا ولد كان أكبر ولده، وكان جبارا جريئا شديد البأس، وكان يستجهل أباه لخلوده إلى الراحة، فأعمل الحيلة فى قتله وحملته على ذلك أمه وبعض وزراء أبيه، فهجم على أبيه فى رواقه وهو سكران فقتله، وقتل معه امرأة له من بنات الملوك كانت قد غلبت على أمره، فقتلها وصلبها وجلس على سرير ملك أبيه. وكان مهيبا شديد البأس كثير القتل، فتزعم القبط أنه أول الفراعنة بمصر، وأنه فرعون ابراهيم عم «١» .
والفراعنة سبعة وهو كان أولهم. وقيل إنما سمى فرعون لأنه أكثر القتل حتى قتل قرابته وأهل بيته وخدمه ونساءه وكثيرا من الكهنة والحكماء. وكان حريصا على الولد فلم يرزق ولدا غير ابنة واحدة سماها حورية، وكانت عاقلة حكيمة، وكانت تسدد أباها كثيرا، وتمنعه من كثير من الشر والقتل. فلما رأت أمره يزداد فسادا خافت على زوال ملكه فسمته، فمات بعد أن ملك سبعين سنة.
فتنازعوا فى تمليكها عليهم ثم اجتمعوا عليها إلا أهل مدينة أبريت فانهم ملكوا عليهم رجلا منهم، وكان من ولد أبريت بن مصر الملك المتقدم الذكر، وبه سميت مدينة أبريت، يقال له أبراحش. فجرت بينهم حروب كانت الدائرة فيها على أبراحش، فهرب خوفا من حورية إلى الشام، وكان بها الكنعانيون من ولد عمليق؛ فاستغاث بملكهم فأخبره بأمره وقرب عليه مصر، وسول له تصييرها إليه.
فجهز ملك الشام مع أبراحش جيشا عظيما «ا» ، وقدم عليه رجلا من قواده، فلما قرب من مصر بعثت حورية «ا» طيرا لها إلى جيرون تقول له: إن فلانة سمعت بك وأحبتك، وهى تريد زواجك وأن تكون لها أهلا، وتعطيك بلاد مصر. فسر جيرون بما سمع منها ورغب فيما قالت له، ثم عقدت معه أن يقتل أبراحش. فقال