لها وكيف أصنع؟ فأخرجت له سما، فسم به أبراحش فمات فى الحين. فلما أراد أن يصل إليها بعثت إليه أنه لا يجوز أن أتزوجك حتى تظهر فى بلادى قوتك وحكمتك لكى أعذر فى زواجك، وأريد أن تبنى لى مدينة عجيبة أدخل معك فيها، فإنى أكره الدخول عليك فى بلادى وبين أهل بلدى. وأن مدينة فى بلاد مصر كانت لأوائلنا قد خربت، فانظر موضعها واظهر حكمتك فيها، وبعثت معه من يريه الإسكندرية.
قيل فجد جيرون فى بنائها، وبعثت إليه حورية من مصر مائة ألف صانع، فأقام فى بنائها مدة وأنفق جميع ما كان معه من المال، فلما فرغ من بناء المدينة، وجه إليها يعلمها بتمام المدينة ويحثها على القدوم عليه. فوجهت إليه فرشا كثيرة فاخرة وآلات عجيبة، وقالت له:«قسم جيشك أثلاثا وابعث الثلث الأول، حتى إذا بلغت نصف الطريق فابعث إلى الثلث الثانى، فإذا بلغت الثلثين من الطريق، فابعث إلى الثلث الثالث حتى يكون الجيش من ورائى ومن أمامى، لئلا يرانى أحد إذا دخلت عليك؛ ولا أحب أن أجد معك سوى صبية تخدمك. ثم أقامت تجهز له الجهاز والأموال حتى أيقن بإقبالها، فوجه إليها ثلث جيشه. فعملت لهم الأطعمة والأشربة المسمومة وخرجت إليهم فى خيولها وخدامها، فلما لقوها أنزلتهم وأمرت حشمها فأقبلوا عليهم بالأطعمة والأشربة والطيب، كل ذلك من مسموم، فلم تصبح منهم عين تطرف «ا» . ثم سارت فلقيها الثلث الثانى من الجيش، ففعلت بهم كذلك. ثم سارت فلقيها الثلث الثالث، ففعلت بهم مثل ذلك، وهى تبعث إليه وتقول: إنى بعثت الجيش إلى مصر يحفظها بعدى، إلى أن دخلت على جيرون هى وطير لها وجوار كن معها، فرشقت طيرها عليه، فارتعدت مفاصله وخارت قواه، ولم يملك نفسه شيئا فأيقن بالهلاك؛ وقال جيرون:«من ظن أنه يغلب النساء فقد كذبته نفسه» . فقيل إنها فصدته وأسالت دمه حتى مات، فقالت:«دماء الملوك شفاء النفوس» .
وأخذت رأسه فوجهت به إلى قصرها فنصبته عليه، وحملت بيوت أمواله إلى منف دار مملكتها، وبنت حينئذ منار الإسكندرية، وزبرت عليه اسمها واسمه، وما أراد وما فعلت به، وتاريخ الوقت الذي كان فيه ذلك. ويذكر فى بناء منار الإسكندرية غير ذلك مما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى. قيل فلما اتصل خبر حورية بالملوك وما فعلت بالجيش الذي دخل بلادها، هابوها وعظمت فى أعينهم، فمن كان