للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن شهوده، وبمعبوده عن عبادته، وبموحده عن توحيده، وبمذكوره عن ذكره، وبمحبوبه عن حبه، فهذا فناء عن إدراك السوى وهو فناء القاصرين.

وأما الفناء الكامل المحمدي فهو الفناء عن عبادة السوى والاستعانة بالسوى وإرادة وجه السوى، وهذا في الدرجة الثالثة وهو شهود التفرقة في الجمع، والكثرة في الوحدة، فيشهد قيام الكائنات مع تفرقها بإقامة الله تعالى وحده وربوبيته، ويرى أنه ما من دابة إلا ربي آخذ بناصيتها، وأنه على كل شيء وكيل، وأنه رب العالمين، وأن قلوب العباد ونواصيهم بيده، لا خالق غيره ونافع ولا ضار ولا معطي ولا مانع ولا حافظ ولا معز ولا مذل سواه، ويشهد أيضاً فعل المأمورات مع كثرتها وترك الشبهات (١) مع كثرتها لله وحده لا شريك له.

وهذا هو الدين الجامع العام الذي اشترك فيه جميع الأنبياء والإسلام العام والإيمان العام، وبه أنزلت السور المكية وإليه الإشارة بقوله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " وبقوله: " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا: أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون؟ " وبقوله تعالى: " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " ولهذا ترجم البخاري عليه: " باب ما جاء أن دين الأنبياء واحد ".

وقد قال تعالى: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " فجمع في الملل الأربع: " من آمن بالله واليوم


(١) لعلها المشبهات فإنها أعم

<<  <  ج: ص:  >  >>