المالكية وقدمائهم في الإثبات كثير مشهور لأن علماءهم حكوا إجماع أهل السنة والجماعة على أن الله بذاته فوق عرشه، وابن أبي زيد إنما ذكر ما ذكره سائر أهل أئمة السنة ولم يكن من أئمة المالكية من خالف ابن أبي زيد في هذا وهو إنما ذكر هذا في مقدمة الرسالة لتلقن لجميع المسلمين لأنه عند أئمة السنة من الاعتقادات التي يلقنها كل أحد، ولم يرد على ابن أبي زيد في هذا إلا من كان من أتباع الجهمية النفاة لم يعتمد من خالفه على أنه بدعة ولا أنه مخالف للكتاب والسنة، ولكن زعم من خالف ابن أبي زيد وأمثاله إنما خالفه مخالف للعقل (١) ، وقالوا إن ابن أبي زيد لم يكن يحسن الكلام الذي يعرف فيه ما يجوز على الله وما لا يجوز، والذين أنكروا على ابن أبي زيد وأمثاله من المتأخرين تلقوا هذا الإنكار عن متأخري الأشعرية كأبي المعالي وأتباعه وهؤلاء تلقوا هذا الإنكار عن الأصول التي شركوا فيها المعتزلة ونحوهم من الجهمية، فالجهمية من المعتزلة وغيرهم هم أصل هذا الإنكار.
وسلف الأمة وأئمتها متفقون على الإثبات، رادون على الواقفة والنفاة، مثل ما رواه البيهقي وغيره عن الأوزاعي قال: كنا - والتابعون متوافرون - نقول: إن الله فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته.
وقال أبو مطيع البلخي في كتاب الفقه الأكبر: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، قال: كفر، لأن الله يقول " الرحمن على العرش استوى " وعرشه فوق سبع سمواته، فقلت: إنه يقول على العرش ولكن لا أدري العرش في السماء أو في الأرض، فقال: إنه إذا أنكر أنه في السماء كفر، لأنه تعالى في أعلى عليين، وإنه يدعى من أعلى لا من
(١) كذا في الأصل وفي هامشه الظاهر: إنما خالفه لمخالفته العقل