وقوله:" إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع " الآية. وقوله في الجنة:" أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله ".
وقوله صلى الله عليه وسلم:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " الحديث نفى الإيمان الواجب عنه الذي يستحق به الجنة ولا يستلزم ذلك نفي أصل الإيمان وسائر أجزائه وشعبه هذا معنى قولهم نفي كمال الإيمان، وحقيقة ذلك أن الكمال الواجب ليس هو الكمال المستحب المذكور في قول الفقهاء: الغسل كامل ومجزئ، ومنه قوله عليه السلام:" من غشنا فليس منا " ليس المراد به أنه كافر كما تأولته الخوارج ولا أنه ليس من خيارنا كما تأولته المرجئة، ولكن المضمر يطابق المظهر، والمظهر هو المؤمنون المستحقون للثواب، السالمون من العذاب، والغاش ليس منا (١) لأنه متعرض لعذاب الله وسخطه.
إذا تبين هذا فمن ترك بعض الإيمان الواجب في الجملة لعجزه عنه إما لعدم تمكنه من العلم أو لعدم تمكنه من العمل لم يكن مأموراً بما يعجز عنه، ولم يكن ذلك من الإيمان والدين الواجب في حقه، وإن كان من الدين والإيمان الواجب في الأصل، بمنزلة صلاة المريض والخائف وسائر أهل الأعذار الذين يعجزون عن إتمام الصلاة فإن صلاتهم صحيحة بحسب ما قدروا عليه وبه أمروا، وإن كانت صلاة القادر على الإتمام أفضل، وأكمل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير " رواه مسلم من حديث أبي هريرة وفي حديث حسن السياق: " إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس " ولو أمكنه العلم به دون العمل لوجب الإيمان به علماً واعتقاداً وإن لم يعمل به.
قال فإن الله قد بين بنصوص معروفة أن الحسنات يذهبن بالسيئات، وأنه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، وإن مصائب الدنيا تكفر الذنوب، وأنه يقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر،