أبي لهب، فكيف بمعاني كلام الله في الكتب المنزلة وخطابه لملائكته وحسابه لعباده يوم القيامة وغير ذلك من كلامه، ومنهم من قال: هو حروف أو حروف وأصوات قديمة أزلية لازمة لذاته لم يزل ولا يزال موصوفاً بها، وكلا الحزبين يقول: إن الله تعالى لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وإنه لم يزل ولا يزال يقول: يا نوح، يا إبراهيم، يا أيها المزمل، أيها المدثر، كما قد بسطت أقوالهم في غير هذا الموضع، ولم يقل أحد من السلف بواحد من القولين ولم يقل أحد من السلف أن هذا القرآن عبارة عن كلام الله ولا حكاية له، ولا قال أحد منهم أن لفظي بالقرآن قديم أو غير مخلوق، فضلاً عن أن يقول أن صوتي به قديم أو غير مخلوق بل كانوا يقولون بما دل عليه الكتاب والسنة من أن هذا القرآن كلام الله والناس يقرؤونه بأصواتهم ويكتبونه بمدادهم وما بين اللوحين كلام الله وكلام الله غير مخلوق.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ".
وقال تعالى:" بل هو قرآن مجيد، في لوح محفوظ " والمداد الذي يكتب به القرآن مخلوق والصوت الذي يقرأ به صوت العبد والعبد وصوته وحركاته وسائر صفاته مخلوقة، فالقرآن الذي يقرؤه المسلمون كلام البارئ، والصوت الذي يقرأ به العبد صوت القارئ، كما قال تعالى:" وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" زينوا القرآن بأصواتكم " فبين أن الأصوات التي يقرأ بها القرآن أصواتنا والقرآن كلام الله، ولهذا قال أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة: يحسنه الإنسان بصوته كما قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً، فكان ما قاله أحمد وغيره من أئمة السنة من أن الصوت صوت العبد موافقاً للكتاب والسنة، وقد قال تعالى:" واقصد في مشيك واغضض من صوتك ".
وقال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ".