بن حنبل وغيره أن يقال لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق، وقالوا: من قال إنه مخلوق فهو جهمي، ومن قال أنه غير مخلوق فهو مبتدع، وأما صوت العبد فلم يتنازعوا أنه مخلوق، فإن المبلغ لكلام غيره بلفظ صاحب الكلام إنما بلغ غيره، كما يقال روى الحديث بلفظه وإنما يبلغه بصوت نفسه لا بصوت صاحب الكلام.
واللفظ في الأصل مصدر لفظ يلفظ لفظاً وكذلك التلاوة والقراءة مصدران لكن شاع استعمال ذلك في نفس الكلام الملفوظ المقروء المتلو (١) ، وهو المراد باللفظ في إطلاقهم فإذا قيل لفظي أو اللفظ بالقرآن مخلوق أشعر أن هذا القرآن الذي يقرؤه ويلفظ به مخلوق، وإذا قيل لفظي غير مخلوق، أشعر أن شيئاً مما يضاف إليه غير مخلوق، وصوته وحركته مخلوقان، لكن كلام الله الذي يقرؤه غير مخلوق، والتلاوة قد يراد بها نفس الكلام الذي يتلى وقد يراد بها نفس حركة العبد، وقد يراد بها مجموعها، فإذا أريد بها الكلام نفسه الذي يتلى فالتلاوة هي المتلو، وإذا أريد بها حركة العبد فالتلاوة ليست هي المتلو، وإذا أريد بها المجموع فهي متناولة للفعل والكلام فلا يطلق عليها أنها المتلو ولا أنها غيره.
ولم يكن أحد من السلف يريد بالتلاوة ومجرد قراءة العباد وبالمتلو مجرد معنى واحد يقوم بذات الباري تعالى، بل الذي كانوا عليه أن القرآن كلام الله تكلم الله به بحروفه ومعانيه ليس شيء منه كلاماً لغيره، لا لجبريل ولا لمحمد ولا لغيرهما، بل قد كفر الله من جعله قول البشر، مع أنه سبحانه أضافه تارة إلى رسول من البشر وتارة إلى رسول من الملائكة، فقال تعالى:" إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين " فالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: " إنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند العرش مكين، مطاع ثم أمين، وما صاحبكم بمجنون، ولقد
(١) يعبر عن الأول بالمعنى المصدري وعن الثاني بالحاصل بالمصدر