النزاع في المعاني لا في الألفاظ ولو كانت الألفاظ موافقة للغة، فكيف إذا كانت من ابتداعهم، ومعلوم أن المعاني التي يعلم ثبوتها بالشرع والعقل لا تدفع بمثل هذا النزاع اللفظي الباطل، وأما قولهم إن كل ما كان يقوم به الصفات وترفع الأيدي إليه ويمكن أن يراه الناس بأبصارهم فإنه لا بد أن يكون مركباً من الجواهر المفردة أو من المادة والصورة فهذا ممنوع بل هو باطل عند جمهور العقلاء من النظار والفقهاء وغيرهم، كما قد بسط في موضعه.
قال الجمهور وإما تفريق الكلابية بين المعاني التي لا تتعلق بمشيئته وقدرته والمعاني التي تتعلق بمشيئته وقدرته التي تسمى الحوادث - ومنهم من يسمي الصفات أعراضاً لأن العرض لا يبقى زمانين - فيقال قول القائل أن العرض الذي هو السواد والبياض والطول والقصر ونحو قول محدث في الإسلام، لم يقله أحد من السلف والأئمة، وهو قول مخالف لما عليه جماهير العقلاء من جميع الطوائف، بل من الناس من يقول أنه معلوم الفساد بالاضطرار، كما قد بسط في موضع آخر.
وأما تسمية المسمي للصفات أعراضاً فهذا أمر اصطلاحي لمن قاله من أهل الكلام ليس هو عرف أهل اللغة ولا عرف سائر أهل العلم، والحقائق المعلومة بالسمع والعقل لا يؤثر فيها اختلاف الاصطلاحات، بل يعد هذا من النزاعات اللفظية، والنزاعات اللفظية أصوبها ما وافق لغة القرآن والرسول والسلف، فما نطق به الرسول والصحابة جاز النطق به باتفاق المسلمين، وما لم ينطقوا به ففيه نزاع وتفضيل ليس هذا موضعه.
وأما قول الكلابية ما يقبل الحوادث لا يخلو منها وما لم يخل من الحوادث فهو حادث، فقد نازعهم جمهور العقلاء في كلا المقدمتين حتى أصحابهم المتأخرون نازعوهم في ذلك، واعترفوا ببطلان الأدلة العقلية التي ذكرها سلفهم على نفي