وكذلك النظار يريدون بلفظ الجسم تارة المقدار وقد يسمونه الجسم التعليمي، وتارة يريدون به الشيء المقدر وهو الجسمي الطبيعي، والمقدار المجرد عن المقدر كالعدد المجرد عن المعدود، وذلك لا يوجد إلا في الأذهان دون الأعيان. وكذلك السطح والخط والنقطة المجردة عن المحل الذي تقوم به لا يوجد إلا في الذهن. قالوا وإذا كان هذا معنى الجسم بلغة العرب فهو أخص من المشار إليه، فإن الروح القائمة بنفسها لا يسمونها جسماً، بل يقولون خرجت روحه من جسمه ويقولون إنه جسم وروح ولا يسمون الروح جسماً، ولا النفس الخارج من الإنسان جسماً، لكن أهل الكلام اصطلحوا على أن كل ما يشار إليه يسمى جسماً، كما اصطلحوا على أن كل ما يقوم بنفسه جوهراً، ثم تنازعوا في أن كل ما يشار إليه هل هو مركب من الجواهر الفردة أو من الماردة والصورة أو ليس مركباً لا من هذا ولا من هذا على أقوال ثلاثة قد بسطت في غير هذا الموضع، ولهذا كان كثير منهم يقولون الجسم عندنا هو القائم بنفسه أو هو الموجود لا المركب.
قال أهل العلم والسنة: فإذا قالت الجهمية وغيرهم من نفاة الصفات أن الصفات لا تقوم إلا بجسم والله تعالى ليس بجسم، قيل لهم إن أردتم بالجسم ما هو مركب من جواهر فردة أو ما هو مركب من المادة والصورة لم نسلم لكم المقدمة الأولى وهي قولكم أن الصفات لا تقوم إلا بما هو كذلك، قيل لكم إن الرب تعالى قائم بنفسه والعباد يرفعون أيديهم إليه في الدعاء ويقصدونه بقلوبهم وهو العلي إلا علا سبحانه، ويراه المؤمنون بأبصارهم يوم القيامة عياناً كما يرون القمر ليلة البدر، فإن قلتم إن ما هو كذلك فهو جسم وهو محدث، - كان هذا بدعة مخالفة للغة والشرع والعقل، وإن قلتم نحن نسمي ما هو كذلك جسماً ونقول إنه مركب - قيل تسميتكم التي ابتدعتموها هي من الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومن عمد إلى المعاني بالشرع والعقل وسماها بأسماء منكرة لينفر الناس عنها قيل له