للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام ممكناً بعد أن كان ممتنعاً عليه، من غير حديث سبب أوجب إمكان الكلام وقدرته عليه، وهذا القول مما وافق الكرامية عليه كثير من أهل الكلام والفقه والحديث، لكن ليس من الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة المسلمين من نقل عنه مثل قولهم. وهذا مما شاركوا فيه الجهمية والمعتزلة فإن هؤلاء كلهم يقولون أنه لم يكن الكلام ممكناً له في الأزل ثم صار ممكناً له بعد أن كان ممتنعاً عليه من غير حدوث سبب أوجب إمكانه لكن الجهمية والمعتزلة يقولون أنه خلق كلاماً في غيره من غير أن يقوم به كلام لأنه لو قام به كلام بمشيئته وقدرته لقامت به الحوادث قالوا: ولا تقوم به الحوادث، قالت الجهمية والمعتزلة لأن الحوادث هي من جملة الصفات التي يسمونها الأعراض، وعندهم لا يقوم به شيء من الصفات قالوا لأن الصفات أعراض والعرض لا يقوم إلا بجسم وليس هو بجسم لأن الجسم لا يخلو من الحوادث فهو حادث، وقالت الكلابية: بل تقوم به الصفات ولا تقوم به الحوادث، ونحن لا نسمي الصفات أعراضاً لأن العرض عندنا لا يبقى زمانين وصفات الله تعالى باقية، وقالوا وأما الحوادث فلو قامت به لم يخل منها لأن القابل للشيء لا يخلو منه ومن ضده، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث.

فقال الجمهور المنازعون للطائفتين أما قول أولئك لأنه لا تقوم به الصفات لأنها أعراض والعرض لا يقوم إلا بجسم وليس بجسم، فتسمية ما يقوم بغيره عرضاً اصطلاح حادث، وكذلك تسمية ما يشار إليه جسماً اصطلاح حادث أيضاً، والجسم في لغة العرب هو البدن وهو الجسد كما قال غير واحد من أهل اللغة منهم الأصمعي وأبو عمرو، فلفظ الجسم يشبه لفظ الجسد وهو الغليظ الكثيف.

والعرب تقول هذا جسيم وهذا أجسم من هذا أي أغلظ منه. قال تعالى: " وزاده بسطة في العلم والجسم ". وقال تعالى: " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم " ثم قد يراد بالجسم نفس الغلظ والكثافة ويراد به الغليظ الكثيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>