وأما السلف والأئمة فأصلهم مطرد. ومما احتجوا به على أن القرآن غير مخلوق ما احتج به الإمام أحمد وغيره من قول النبي صلى الله عليه وسلم:" أعوذ بكلمات الله التامات " قالوا والمخلوق لا يستعاذ به، فعورضوا بقوله:" أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك " فطرد السلف والأئمة أصلهم وقالوا معافاته فعله القائم به، وأما العافية الموجودة في الناس فهي مفعوله.
وكذلك قالوا أن الله خالق أفعال العباد فأفعال العباد القائمة بهم مفعولة له لا نفس فعله، وهي نفس فعل العبد، وكان حقيقة قول أولئك نفي فعل الرب ونفي فعل العبد. فتسلطت عليهم المعتزلة في مسألة الكلام والقدر تسلطاً بينوا به تناقضهم كما بينوا هم تناقض المعتزلة.
وهذا أعظم ما يستفاد من أقوال المختلفين الذين أقوالهم باطلة، فإنه يستفاد من قول كل طائفة بيان فساد قول الطائفة الأخرى، فيعرف الطالب فساد تلك الأقوال، ويكون ذلك داعياً له إلى طلب الحق، ولا تجد الحق إلا موافقاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تجد ما جاء به الرسول إلا موافقاً لصريح المعقول، فيكون ممن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وممن له قلب يعقل به وأذن يسمع بها، بخلاف الذين قالوا:" لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ".
وقد وافق الكلابية على قولهم كثير من أهل الحديث والتصوف ومن أهل الفقه المنتسبين إلى الأئمة الأربعة وليس من الأئمة الأربعة وأمثالهم من أئمة المسلمين من يقول بقولهم.
وحدث مع الكلابية ونحوهم طوائف أخرى من الكرامية وغير الكرامية من أهل الفقه والحديث والكلام فقالوا أنه سبحانه متكلم بمشيئته وقدرته كلاماً قائماً بذاته، وهو يتكلم بحروف وأصوات بمشيئته وقدرته، ليتخلصوا بذلك من بدعتي المعتزلة والكلابية، لكن قالوا أنه لم يكن يمكنه في الأول أن يتكلم بل صار