للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقدرته ولا فعل فعلاً أصلاً، بل جعلوا المتكلم بمنزلة الحي الذي قامت به الحياة، وإن لم تكن حياته بمشيئته ولا قدرته الحاصلة بفعل من أفعاله.

وأما السلف وأتباعهم وجمهور العقلاء فالمتكلم المعروف عندهم من قام به الكلام وتكلم بمشيئته وقدرته، لا يعقل متكلم لم يقم به الكلام ولا يعقل متكلم بغير مشيئته وقدرته، فكان كل من تينك الطائفتين المبتدعتين أخذت بعض وصف المتكلم: المعتزلة أخذوا أنه فاعل والكلابية أخذوا أنه محل الكلام، ثم زعمت المعتزلة أنه يكون فاعلاً للكلام في غيره وزعموا هم ومن وافقهم من أتباع الكلابية كأبي الحسن وغيره أن الفاعل لا يقوم به الفعل، وكان هذا مما أنكره السلف وجمهور العقلاء، وقالوا لا يكون الفاعل إلا من قام به الفعل، وإنه يفرق بين الفاعل والفعل والمفعول وذكر البخاري في كتابه خلق أفعال العباد إجماع العلماء على ذلك. والذين قالوا أن الفاعل لا يقوم به الفعل وقالوا مع ذلك أن الله فاعل أفعال العباد كأبي الحسن (١) وغيره أن يكون الرب (٢) هو الفاعل لفعل العبد وأن العبد لم يفعل شيئاً وأن جميع ما يخلقه العبد فعل له، وهم يصفونه بالصفات الفعلية المنفصلة عنه، ويقسمون صفاته إلى صفات ذات وصفات أفعال مع أن الأفعال عندهم هي المفعولات المنفصلة عنه فلزمهم أن يوصف بما خلقه من الظلم والقبائح مع قولهم أنه لا يوصف بما خلقه من الكلام وغيره فكان هذا تناقضاً منهم تسلطت به عليهم المعتزلة. ولما قرروا ما هو من أصول أهل السنة وهو أن المعنى إذا قام بمحل اشتق به منه اسم ولم يشتق لغيره منه اسم كاسم المتكلم نقض عليهم المعتزلة ذلك باسم الخالق والعادل فلم يجيبوا عن النقض بجواب سديد.


(١) أبو الحسن الأشعري
(٢) كذا في الأصل ولعله سقط منه شيء "كأنكروا" فإنهم يقولون أن السيد هو الفاعل لفعله من أكل وشرب ونوم ولو كان الله هو الفاعل لذلك لوجب أن يقال أنه هو الآكل الشارب النائم لأن الفاعل من قام به الفعل

<<  <  ج: ص:  >  >>