عربي مبين " فقد بين سبحانه أن القرآن الذي يبدل منه آية مكان آية نزله الروح القدس وهو جبريل - وهو الروح الأمين كما ذكر ذلك في موضع آخر - من الله بالحق، وبين بعد ذلك أن من الكفار من قال: " إنما يعلمه بشر " كما قال بعض المشركين يعلمه رجل بمكة أعجمي، فقال تعالى: " لسان الذي يلحدون إليه أعجمي " أي الذي يضيفون إليه هذا التعليم أعجمي " وهذا لسان عربي مبين " ففي هذا ما يدل على أن الآيات التي هي لسان عربي مبين نزلها روح القدس من الله بالحق كما قال في الآية الأخرى: " أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين " والكتاب الذي أنزل مفصلاً هو القرآن العربي باتفاق الناس، وقد أخبر أن الذين أتاهم الكتاب يعلمون أنه منزل من الله بالحق، والعلم لا يكون إلا حقاً فقال " يعلمون " ولم يقل يقولون، فإن العلم لا يكون إلا حقاً بخلاف القول، وذكر علمهم ذكر مستشهداً به، وقد فرق سبحانه بين إيحائه إلى غير موسى وبين تكليمه لموسى في قوله تعالى: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح - إلى قوله - حجة بعد الرسل " فرق سبحانه بين تكليمه لموسى وبين إيحائه لغيره ووكد تكليمه لموسى بالمصدر، وقال تعالى: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض - إلى قوله - روح القدس ".
وقال تعالى: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً " إلى آخر السورة، فقد بين سبحانه أنه لم يكن لبشر أن يكلمه الله إلا على أحد الأوجه الثلاثة، إما حياً وإما من وراء حجاب وإما أن يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء، فجعل الوحي غير التكليم والتكليم من وراء حجاب كان لموسى، وقد أخبر في غير موضع أنه ناداه كما قال: " وناديناه من جانب الطور " الآية. وقال: " فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن " الآية، والنداء باتفاق أهل اللغة لا يكون إلا صوتاً مسموعاً، فهذا مما اتفق عليه سلف المسلمين وجمهورهم، وأهل الكتاب يقولون إن موسى ناداه ربه نداء سمعه