للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأذنه وناداه بصوت سمعه موسى، والصوت لا يكون إلا كلاماً والكلام لا يكون إلا حروفاً منظومة، وقال قال تعالى: " تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " وقال: " حم تنزيل من الرحمن الرحيم " وقال: " حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " فقد بين في غير موضع أن الكتاب والقرآن العربي منزل من الله، وهذا معنى قول السلف: منه بدا، قال أحمد ابن حنبل رحمه الله: منه أي هو المتكلم به، فإن الذين قالوا إنه مخلوق قالوا خلقه في غيره عبداً فبدا من ذلك المخلوق، فقال السلف: منه بدا، أي هو المتكلم به لم يخلقه في غيره فيكون كلاماً لذلك المحل الذي خلقه فيه، فإن الله تعالى إذا خلق صفة من الصفات في محل كانت الصفة صفة لذلك المحل ولم تكن صفة لرب العالمين، فإذا خلق طعماً أو لوناً في محل كان ذلك المحل هو المتحرك (١) المتكون به، وكذلك إذا خلق حياة أو إرادة أو قدرة أو علماً أو كليهما في محل كان ذلك المحل هو المريد القادر العالم المتكلم بذلك الكلام، ولم يكن ذلك المعنى المخلوق في ذلك المحل صفة لرب العالمين، وإنما يتصف الرب تعالى بما يقوم به من الصفات، لا بما يخلقه في غيره من المخلوقات، فهو الحي العليم القدير السميع البصير الرحيم المتكلم بالقرآن وغيره من الكلام، بحياته وعلمه وقدرته وكلامه القائم به لا بما يخلقه في غيره من هذه المعاني، ومن جعل كلامه مخلوقاً لزمه أن يقول المخلوق هو القائل لموسى: " إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري " وهذا ممتنع لا يجوز أن يكون هذا كلاماً إلا لرب العالمين، وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن والتوراة وغير ذلك من الكتب بمعانيها وألفاظها المنتظمة من حروفها لم يكن شيء من ذلك مخلوقاً بل كان ذلك لرب العالمين (٢) ، وقد قيل للإمام أحمد


(١) قوله المتحرك غير ظاهر لأن ما قبله ليس فيه معنى الحركة فإما أن يكون قد سقط منه شيء وأما أن يقال المتصف أي بالطعم واللون
(٢) لعل الأصل صفة أو كلاما لرب العالمين

<<  <  ج: ص:  >  >>