كلاب، ثم افترق موافقوه، فمنهم من قال ذلك الكلام معنى واحد هو الأمر بكل مأمور، والنهي عن كل محظور، والخبر عن كل مخبر عنه، إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وقالوا معنى القرآن والتوراة والإنجيل واحد، ومعنى آية الكرسي هو معنى آية الدين، وقالوا الأمر والنهي والخبر صفات الكلام لا أنواع له، ومن محققيهم من جعل المعنى يعود إلى الخبر والخبر يعود إلى العلم.
وجمهور العقلاء يقولون قول هؤلاء معلوم الفساد بالضرورة، وهؤلاء يقولون تكليمه لموسى ليس إلا خلق إدراك يفهم به موسى ذلك المعنى، فقيل لهم: أفهم كل الكلام أم بعضه؟ إن كان فهمه كله فقد علم علم الله، وإن كان فهم بعضه فقد تبعض، وعندهم كلام الله لا يتبعض ولا يتعدد، وقيل لهم: لقد فرق الله بين تكليمه لموسى وإيحائه لغيره، وعلى أصلكم لا فرق، وقيل لهم: قد كفر الله من جعل القرآن العربي قول البشر، وقد جعله تارة قول رسول من البشر، وتارة قول رسول من الملائكة، فقال في موضع:" إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون " فهذا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقال في الآية الأخرى:" إنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين " فهذا جبريل، فأضافه تارة إلى الرسول الملكي وتارة إلى الرسول البشري، والله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، وكان بعض هؤلاء ادعى أن القرآن العربي أحدثه جبريل أو محمد فقيل لهم: لو أحدثه أحدهما لم يجز إضافته إلى الآخر، وهو سبحانه إضافة إلى كل منهما باسم الرسول الدال على مرسله لا باسم الملك والنبي، فدل على ذلك على أنه قول رسول بلغه عن مرسله لا قول ملك أو نبي أحدثه من تلقاء نفسه، بل قد كفر من قال أنه قول البشر.
والطائفة الأخرى التي وافقت ابن كلاب على أن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته