وأيضاً فلفظ الحروف مجمل، يراد بالحروف الحروف المنطوقة المسموعة التي هي مباني الكلام، ويراد بها الحروف المكتوبة، ويراد بها الحروف المتخيلة في النفس، والصوت لا يكون كلاماً إلا بالحروف باتفاق الناس. وأما الحروف فهل تكون كلاماً بدون الصوت؟ فيه نزع. والحرف قد يراد به الصوت المقطع، وقد يراد به نهاية الصوت وحده، وقد يراد بالحروف المداد، وقد يراد بالحروف شكل المداد، فالحروف التي تكلم الله بها غير مخلوقة وإذا كتبت في المصحف قيل كلام الله المكتوب في المصحف غير مخلوق، وأما نفس أصوات العباد فمخلوقة والمداد مخلوق وشكل المداد مخلوق، فالمداد مخلوق بمادته وصورته، وكلام الله المكتوب بالمداد غير مخلوق، ومن كلام الله الحروف التي تكلم الله بها فإذا كتبت بالمداد لم تكن مخلوقة وكان المداد مخلوقاً. وأشكال الحروف المكتوبة مما يختلف فيها اصطلاح الأمم.
والخط العربي قد قيل أن مبدأه كان من الأنبار ومنها انتقل إلى مكة وغيرها، والخط العربي تختلف صورته: العربي القديم فيه تكوف، وقد اصطلح المتأخرون على تغيير صوره، وأهل المغرب لهم اصطلاح ثالث حتى في نقط الحروف وترتيبها، وكلام الله المكتوب بهذه الخطوط كالقرآن العربي هو في نفسه لا يختلف باختلاف الخطوط التي يكتب بها.
فإن قيل: فالحرف من حيث هو مخلوق أو غير مخلوق مع قطع النظر عن كونه في كلام الخالق أو كلام المخلوق؟ فإن قلتم هو من حيث هو مخلوق لزم أن يكون غير مخلوق في كلام العباد، وإن قلتم مخلوق لزم أن يكون مخلوقاً في كلام الله؟ قيل: قول القائل بل الحرف من حيث هو هو كقوله الكلام من حيث هو هو والعلم من حيث هو هو والقدرة من حيث هي هي، والوجود حيث هو هو، ونحو ذلك.