للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع القرينة قد يراد به هذا تارة وهذا تارة، فتنازعهم في مسمى النطق كتنازعهم في مسمى الناطق، فمن سمى شخصاً محمداً وإبراهيم، وقال: جاء محمد وجاء إبراهيم لم يكن هذا محمد وإبراهيم المذكورين في القرآن، ولو قال: محمد رسول الله، وإبراهيم خليل الله، يعني به خاتم الرسل وخليل الرحمن لكان قد تكلم بمحمد وإبراهيم الذي في القرآن لكن قد تكلم بالاسم وألفه كلامه فهو كلامه لم يتكلم به في القرآن العربي الذي تكلم الله به.

ومما يوضح ذلك أن الفقهاء قالوا في آداب الخلاء أنه لا يستصحب ما فيه ذكر الله واحتجوا بالحديث الذي في السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه، وكان خاتمه مكتوباً عليه " محمد رسول الله " محمد سطر، رسول سطر، الله سطر.

ولم يمنع أحد من العلماء أن يستصحب ما يكون فيه كلام العباد وحروف الهجاء (١) مثل ورق الحساب الذي يكتب فيه أهل الديوان الحساب. ومثل الأوراق التي يكتب فيها الباعة ما يبيعونه ونحو ذلك، وفي السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح غطفان على نصف تمر المدينة أتاه سعد فقال له: أهذا شيء أمر الله به فسمعاً وطاعة، أم شيء تفعله لمصلحتنا؟ فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يفعل ذلك بوحي بل فعله باجتهاده فقال: " لقد كنا في الجاهلية وما كانوا يأكلون منها تمرة إلا بقرى أو بشراء، فلما أعزنا الله بالإسلام يريدون أن يأكلون تمرنا؟ لا يأكلون تمرة واحدة " وبصق سعد في الصحيفة وقطعها فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يقل هذه حروف، فلا يجوز إهانتها والبصاق فيها. وأيضاً فقد كره السلف محو القرآن بالرجل ولم يكرهوا محو ما فيه كلام الآدميين.

وأما قول القائل: إن الحروف قديمة أو حروف المعجم قديمة فإن أراد جنسها فهذا صحيح، وإن أراد الحرف المعين فقد أخطأ فإن له مبدأ ومنتهى، وهو مسبوق بغيره، وما كان كذلك لم يكن إلا محدثاً.


(١) يعني بالعلماء الأئمة المجتهدين وقد قال بعض فقهاء الحنفية باحترام المكتوب من كلام الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>