عليه كله أنه مخلوق ولا أنه غير مخلوق، بل ما اتصف به الرب من ذلك فهو غير مخلوق، وما اتصف به العبد من ذلك فهو مخلوق، فالصفة تتبع الموصوف؛ فإن كان الموصوف هو الخالق فصفاته غير مخلوقة، وإن كان الموصوف هو العبد المخلوق فصفاته مخلوقة، ثم إذا قرأ بأم القرآن وغيرها من كلام الله فالقرآن في نفسه كلام الله غير مخلوق، وإن كان حركات العباد وأصواتهم مخلوقة، ولو قال الجنب:" الحمد لله رب العالمين " ينوي به القرآن منع من ذلك وكان قرآناً، ولو قاله ينوي به حمد الله لا يقصد به القراءة لم يكن قارئاً وجاز ذلك، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:" أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر " رواه مسلم في صحيحه. فأخبر أنها أفضل الكلام بعد القرآن وقال هي من القرآن، فهي من القرآن باعتبار، وليست من القرآن باعتبار، ولو قال القائل:" يا يحيى خذ الكتاب " ومقصوده القرآن كان قد تكلم بكلام الله ولم تبطل صلاته باتفاق العلماء، وإن قصد مع ذلك تنبيه غيره لم تبطل صلاته عند جمهور العلماء، ولو قال لرجل اسمه يحيى وبحضرته كتاب: يا يحيى خذ الكتاب لكان هذا مخلوقاً لأن لفظ يحيى هنا مراد به ذلك الشخص وبالكتاب ذلك الكتاب، ليس مراداً به ما أراده الله بقوله:" يا يحيى خذ الكتاب " والكلام كلام المخلوق بلفظه ومعناه.
وقد تنازع الناس في مسمى الكلام في الأصل، فقيل هو اسم اللفظ الدال على المعنى، وقيل المعنى المدلول عليه باللفظ، وقيل لكل منهما بطريق الاشتراك اللفظي، وقيل بل هو اسم عام لهما جميعاً يتناولهما عند الإطلاق وإن كان مع التقييد يراد به هذا تارة وهذا تارة. هذا قول السلف وأئمة الفقهاء وإن كان هذا القول لا يعرف في كثير من الكتب، وهذا كما تنازع الناس في مسمى الإنسان هل هو الروح فقط أو الجسد فقط؟ والصحيح أنه اسم للروح والجسد جميعاً، وإن كان