للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصل هذا أن ما يوصف الله به ويوصف به العباد يوصف الله به على ما يليق (١) به ويوصف به العباد بما يليق بهم من ذلك، مثل الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، فإن الله له حياة وعلم وقدرة وسمع وبصر وكلام، فكلامه يشتمل على حروف وهو يتكلم بصوت نفسه، والعبد له حياة وعلم وقدرة وسمع وبصر وكلام، وكلام العبد يشتمل على حروف وهو يتكلم بصوت نفسه. فهذه الصفات لها ثلاث اعتبارات: تارة تعتبر مضافة إلى الرب. وتارة تعتبر مضافة إلى العبد، وتارة تعتبر مطلقة لا تختص بالرب والعبد، فإذا قال العبد: حياة الله وعلم الله وقدرة الله وكلام الله ونحو ذلك، فهذا كله غير مخلوق ولا يماثل صفات المخلوقين، وإذا قال علم العبد وقدرة العبد وكلام العبد، فهذا كله مخلوق ولا يماثل صفات الرب، وإذا قال العلم والقدرة والكلام، فهذا مجمل مطلق لا يقال


(١) يعني أن الاشتراك في اطلاق الوصف لا يقتضي المساواة ولا المشابهة في الصفة فضلا عن مشابهة الموصوف. وقد اختلف العلماء هل هو اشتراك في الجنس أو في الاسم؟ وسببه أنه لا يمكن تعريف الوحي والرسل عباد الله بربهم وصفاته إلا بلغاتهم التي يفهمونها (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) فكان لابد من تسميته صفاته تعالى باسماء صفاتهم التي تدل عليها مع إعلامهم بعدم مماثلتها لها، قال الغزالي في بيان هذا المعنى ما حاصله: أن الله صفة يصدر عنها الإبداع والاختراع وبسند إلخ. الإيجاد والإعدام وهذه الصفة أجل وأرفع من أن تدركها عين واضع اللغة فيخصها باسم يدل على كنهها، فلما أريد أعلام البشر بها استعير لها من ألسنة المتخاطبين باللغات أقرب الكلمات دلالة عليها أو اشارة إلى عظمة شأنها وأثرها في الخلق وهي كلمة القدرة بالمعنى من غير مراجعة الأصل وهو في كتاب الشكر من الاحياء. وما يقال في القدرة في العلم والكلام والصوت به الذي هو مقتضى النداء الثابت بالقرآن والمصرح به في الحديث الصحيح خلافا لمن فرق بين هذه الصفات من المتكلمين بتحكم نظريات المذاهب

<<  <  ج: ص:  >  >>