وأنزل عليه شيئاً في كلامه عالماً بجميع أخبار الله وأوامره وهذا معلوم الفساد بالضرورة، وإن كان الواحد من هؤلاء إنما سمع بعضه فقد تبعض كلامه وذلك يناقض قولهم.
وأيضاً فقوله " وكلم الله موسى تكليماً " وقوله " ولما جاء موسى لميقاتنا " وقوله تعالى " وناديناه من جانب الطور الأيمن " وقوله " فلما أتاها نودي " الآيات دليل على تكليم موسى، والمعنى المجرد لا يسمع بالضرورة، ومن قال إنه يسمع فهو مكابر - ودليل أنه ناداه والنداء لا يكون إلا صوتاً مسموعاً لا يعقل في لغة العرب لفظ النداء بغير صوت مسموع لا حقيقة ولا مجازاً، وقد قال تعالى " فلما جاءها نودي أن بورك من في النار - إلى قوله - رب العالمين ".
وأيضاً فقوله " فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك " وفي هذا دليل على أنه حينئذ نودي ولم يناد قبل ذلك و " لما " فيها من معنى الظرف، كما في قوله " وإنه لما قام عبد الله يدعوه " ومثل هذا قوله " ويوم يناديهم فيقول أين شرائي الذين كنتم تزعمون "" ويم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين " فإن النداء وقت بظرف محدود، فدل على أن النداء يقع في ذلك الحين دون غيره وجعل الظرف للنداء لا يسمع النداء إلا فيه.
ومثل هذا قوله تعالى " وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " وقوله " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " وأمثال ذلك مما فيه توقيت بعض أقوال الرب بوقت معين فإن الكلابية ومن وافقهم من أصحاب الأئمة الأربعة يقولون إنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته بل الكلام المعين لازم لذاته كلزوم الحياة لذاته، ومن هؤلاء من قال إنه معنى واحد لأن الحروف والأصوات متعاقبة يمتنع أن تكون قديمة، ومنهم من قال بل الحروف والأصوات قديمة الأعيان وأنها مترتبة في مقارنة وجودها لم تزل ولا تزال قائمة بذاته.